٩٦_ والصفا والمروة اسمان لجبيلين متقابلين؛ فأما الصفا فهو رأس نهاية جبل أبي قبيس، وأما المروة فرأس هو منتهى جبل قُعِيْقِعَان.
وسُمِّىَ الصفا؛ لأن حجارته من الصفا وهو الحجر الأملس الصلب، وسُمِّيَت المروةُ مروةً؛ لأن حجارتها من المرو وهي الحجارة البيضاء اللينة التي توري النار، ويُذبح بها؛ لأن شذرها يُخْرِج قطعاً محددة الأطراف، وهي تضرب بحجارة من الصفا، فتتشقق قال أبو ذؤيب:
حتى كأنِّي للحَوَادِث مَرْوَةٌ | بصَفَا المُشَقَّرِ(١) كلَّ يوم تقرع |
والصفا والمروة بقرب المسجد الحرام، وبينهما مسافة سبعمائة وسبعين ذراعاً، وطريق السعي بينهما يمر حذو جدار المسجد الحرام، والصفا قريب من باب يسمى باب الصفا من أبواب المسجد الحرام، ويصعد الساعي إلى الصفا والمروة بمثل المدرجة. ٢/٦٠_٦١
٩٧_ والشعائر جمع شَعيرة بفتح الشين، وشِعَارة بكسر الشين، بمعنى العلامة مشتق من شَعُر إذا عَلِمَ وفطن، وهي فعيلة بمعنى مفعولة أي مُعَلَّم بها، ومنه قولهم أُشْعِر البعير إذا جعل له سِمَة في سنامه بأنه مُعَدٌّ للهدي.
فالشعائر ما جُعِل علامةً على أداء عمل من عمل الحج والعمرة، وهي المواضع المعظمة مثل المواقيت التي يقع عندها الإحرام، ومنها الكعبة، والمسجد الحرام، والمقام، والصفا، والمروة، وعرفة، والمشعر الحرام بمزدلفة، ومنى، والجمار. ٢/٦١
(١) _ المشقر كمعظَّم جبل باليمن تُتَّخذ من حجارته فؤوس تكسر الحجارة لصلابتها.
وإنما برز هذا الابتلاء في صورة الوحي المنامي؛ إكراماً لإبراهيم عن أن يُزْعَجَ بالأمر بذبح ولده بوحي في اليقظة؛ لأن رؤى المنام يعقبها تعبيرها؛ إذ قد تكون مشتملة على رموز خفية وفي ذلك تأنيس لنفسه لتلقي هذا التكليف الشاق عليه وهو ذبح ابنه الوحيد.
والفاء في قوله: [فَانظُرْ مَاذَا تَرَى] فاء تفريع، أو هي فاء الفصيحة، أي إذا علمت هذا فانظر ماذا ترى.
والنظر هنا نظر العقل، لا نظر البصر، فحقه أن يتعدى إلى مفعولين، ولكن علّقه الاستفهام عن العمل.
والمعنى: تأمل في الذي تقابل به هذا الأمر، وذلك لأن الأمر لما تعلق بذات الغلام كان للغلام حظ في الامتثال، وكان عرض إبراهيم هذا على ابنه عرض اختبار لمقدار طواعيته بإجابة أمر الله في ذاته؛ لتحصل له بالرضى والامتثال مرتبة بذل نفسه في إرضاء الله وهو لا يرجو من ابنه إلا القبول؛ لأنه أعلم بصلاح ابنه، وليس إبراهيم مأمور بذبح ابنه جبراً، بل الأمر بالذبح تعلق بمأمورين: أحدهما بتلقي الوحي، والآخر بتبليغ الرسول إليه؛ فلو قدر عصيانه لكان حاله في ذلك حال ابن نوح الذي أبى أن يركب السفينة لما دعاه أبوه فاعتبر كافراً. ٢٣/١٥٠_١٥١
٧_ [وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَقَ نَبِيّاً مِنْ الصَّالِحِينَ (١١٢) وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (١١٣)].
هذه بشارة أخرى لإبراهيم ومكرمة له، وهي غير البشارة بالغلام الحليم، فإسحاق غير الغلام الحليم.
وهذه البشارة هي التي ذكرت في القرآن في قوله _تعالى_: [فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَقَ يَعْقُوبَ].
وتسمية المبشر به إسحاق تحتمل أنَّ اللهَ عَيَّنَ له اسماً يسميه به وهو مقتضى ما في الإصحاح السابع عشر من التكوين: =سارة امرأتك تلد ابناً وتدعو اسمه إسحاق+.