٩٨_ فالعالِمُ يحرم عليه أن يكتم من علمه ما فيه هدى للناس؛ لأن كتم الهدى إيقاع في الضلالة سواء في ذلك العلم الذي بلغ إليه بطريق الخبر كالقرآن والسنة الصحيحة والعلم الذي يحصل عن نظر كالاجتهادات إذا بلغت مبلغ غلبة الظن بأن فيها خيراً للمسلمين، ويحرم عليه بطريق القياس الذي تومئ إليه العلة أن يبث في الناس ما يوقعهم في أوهام بأن يلقنها وهو لا يحسن تنزيلها، ولا تأويلها. ٢/٦٩
٩٩_ قال ابن عرفة في التفسير: لا يحل للعالم أن يذكر للظالم تأويلاً أو رخصة يتمادى منها إلى المفسدة كمن يذكر للظالم ما قال الغزالي في الإحياء من أن بيت المال إذا ضعف، واضطر السلطان إلى ما يجهز به جيوش المسلمين لدفع الضرر عنهم فلا بأس أن يوظف على الناس العشر أو غيره لإقامة الجيش وسد الخلة، قال ابن عرفة: وذكر هذه المظلمة مما يحدث ضرراً فادحاً في الناس.
وقد سأل سلطانُ قُرْطُبَةَ عبدُالرحمن بنُ معاوية الداخلُ يحيى بنَ يحيى الليثيَّ عن يومٍ أفطره في رمضان عامداً غلبته الشهوة على قربان بعض جواريه فيه، فأفتاه بأنه يصوم ستين يوماً والفقهاء حاضرون ما اجترؤوا على مخالفة يحيى، فلما خرجوا سألوه لم خَصَصْتَهُ بأحد المخيرات فقال: لو فتحنا له هذا الباب لوطئ كل يوم، وأعتق، أو أطعم؛ فحملته على الأصعب؛ لئلا يعود. اهـ
قلت: فهو في كتمه عنه الكفارتين المخيَّر فيهما قد أعمل دليل دفع مفسدة الجرأة على حرمة فريضة الصوم. ٢/٧٠
١٠٠_ وقوله: [إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا] استثناء من [الَّذِينَ يَكْتُمُونَ] أي فهم لا تلحقهم اللعنة، وهو استثناء حقيقي منصوب على تمام الكلام من [الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا] إلخ.
وشُرِطَ للتوبة أن يصلحوا ما كانوا أفسدوا، وهو بإظهار ما كتموه، وأن يبينوه للناس؛ فلا يكفي اعترافهم وحدهم أو في خلواتهم؛ فالتوبة هنا الإيمان بمحمد" فإنه رجوع عن كتمانهم الشهادةَ له الواردةَ في كتبهم.
وتحتمل أن المراد: بشرناه بولد الذي سمي إسحاق، وهو على الاحتمالين إشارة إلى أن الغلام المبشر به في الآية قبل هذه ليس هو الذي اسمه إسحاق؛ فتعين أنه الذي سمي إسماعيل.
ومعنى البشارة به البشارة بولادته له، لأن البشارة لا تتعلق بالذوات، بل تتعلق بالمعاني. ٢٣/١٦١
٨_ وفيه تنبيه على أن الخبيث والطيب لا يجري أمرهما على العرق والعُنْصر؛ فقد يلد البر الفاجر، والفاجر البر، وعلى أن فساد الأعقاب لا يعد غضاضة على الآباء، وأن مناط الفضل هو خصال الذات وما اكتسب المرء من الصالحات، وأما كرامة الآباء فتكملة للكمال وباعث على الاتساع بفضائل الخلال، فكان في هذه التكملة إبطال غرور المشركين بأنهم من ذرية إبراهيم، وإنها مزية لكن لا يعادلها الدخول في الإسلام، وأنهم الأولى بالمسجد الحرام. ٢٣/١٦٢
٩_ وإلياس هو (إيلياء) من أنبياء بني إسرائيل التابعين لشريعة التوراة، وأطلق عليه وصف الرسول لأنه أمر من جانب الله _تعالى_ بتبليغ ملوك إسرائيل أن الله غضب عليهم من أجل عبادة الأصنام؛ فإطلاق وصف الرسول عليه مثل إطلاقه على الرسل إلى أهل أنطاكية المذكورين في سورة يس. ٢٣/١٦٦
١٠_ و(بعل) اسم صنم الكنعانيين، وهو أعظم أصنامهم؛ لأن كلمة بعل في لغتهم تدل على معنى الذكورة.
ثم دلت على معنى السيادة، فلفظ البعل يطلق على الذكر، وهو عندهم رمز على الشمس ويقابله كلمة (تانيت) بمثناتين، أي الأنثى وكانت لهم صنمة تسمى عند الفنيقيين بقرطاجنة (تانيت) وهي عندهم رمز القمر وعند فنيقيي أرض فنيقية الوطن الأصلي للكنعانيين تسمى هذه الصنمة (العشتاروث).