١٠٣_ فالتحقيق أن الحُبَّ يتعلق بِذِكْرِ المرء، وحصول النفع منه، وحسن السمعة وإن لم يره؛ فنحن نحب الله لما نعلمه من صفات كماله، ولما يصلنا من نعمته وفضله ورحمته، ونحب رسوله لما نعلم من كماله، ولما وصل إلينا على يديه، ولما نعلم من حرصه على هدينا ونجاتنا، ونحب أجدادنا، ونحب أسلافنا من علماء الإسلام، ونحب الحكماء والمصلحين من الأولين والآخرين، ولله درّ أبي مدين في هذا المعنى:
وكم من محب قد أحب وما رأى | وعشقُ الفتى بالسمع مرتبة أخرى |
١٠٤_ والاقتداء بالشيطان إرسال النفس على العمل بما يوسوسه لها من الخواطر البشرية؛ فإن الشياطين موجودات مُدْرَكَةٌ لها اتصال بالنفوس البشرية لَعَلَّه كاتصال الجاذبية بالأفلاك والمغناطيس بالحديد؛ فإذا حصل التوجه من أحدهما إلى الآخر بأسباب غير معلومة حدثت في النفس خواطر سيئة؛ فإن أرسل المكلف نفسه لاتباعها ولم يردعها بما له من الإرادة والعزيمة _ حققها في فعله، وإن كبحها وصدها عن ذلك غلبها.
ولذلك أودع الله فينا العقل والإرادة والقدرة، وكمَّل لنا ذلك بالهدي الديني؛ عوناً وعصمة عن تلبيتها؛ لئلا تُضِلُّنا الخواطرُ الشيطانية حتى نرى حسناً ما ليس بالحسن. ٢/١٠٣
١٠٥_ والفحشاء: اسم مشتق من فَحُش إذا تجاوز الحد المعروف في فعله أو قوله واختص في كلام العرب بما تجاوز حد الآداب، وعظم إنكاره. ٢/١٠٥
١٠٦_ والحرام: الممنوع منعاً شديداً. ٢/١١٥
١٠٧_ وأما الدم فإنما نَصَّ اللهُ على تحريمه؛ لأن العرب كانت تأكل الدم، كانوا يأخذون المباعر فيملأونها دماً، ثم يشوونها بالنار ويأكلونها.
وهذه صورة ذلك، وصوَّر دائرة فيها علامات حمر وعلامات سود؛ فالحمر للمسلمين ومنهم ابتداء العد وهو إلى جهة الشمال، قال: ولقد ذكرتها لنور الدين علي بن إسماعيل الصفدي؛ فأعجبته وقال: كيف أصنع بحفظ هذا الترتيب فقلت له: الضابط في هذا البيت تجعل حروفه المعجمة للكفار والمهملة للمسلمين وهو:
الله يقضي بكل يسر... ويرزق الضيف حيث كانا
وكانت القرعة طريقاً من طرق القضاء عند التباس الحق أو عند استواء عدد في استحقاق شيء.
وقد تقدم في سورة آل عمران عند قوله: [وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ].
وهي طريقة إقناعية كان البشر يصيرون إليها؛ لفصل التنازع يزعمون أنها دالة على إرادة الله _تعالى_ عند الأمم المتدينة، أو إرادة الأصنام عند الأمم التي تعبد الأصنام تمييز صاحب الحق عند التنازع.
ولعلها من مخترعات الكهنة وسدنة الأصنام؛ فلما شاعت في البشر أقرتها الشرائع لما فيها من قطع الخصام والقتال.
ولكن الشرائع الحق لما أقرتها اقتصدت في استعمالها بحيث لا يصار إليها إلا عند التساوي في الحق، وفقدان المرجح، الذي هو مؤثر في نوع ما يختلفون فيه، فهي من بقايا الأوهام.
وقد اقتصرت الشريعة الإسلامية في اعتبارها على أقل ما تعتبر فيه، مثل تعيين أحد الأقسام المتساوية لأحد المتقاسمين إذ تشاحوا في أحدها، قال ابن رشد في المقدمات والقرعة إنما جعلت تطييباً لأنفس المتقاسمين، وأصلها قائم في كتاب الله لقوله _تعالى_ في قصة يونس: [فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ].
وعندي: أن ليس في الآية دليل على مشروعية القرعة في الفصل بين المتساويين، لأنها لم تَحْكِ شرعاً صحيحاً كان قبل الإسلام؛ إذ لا يعرف دين أهل السفينة الذين أجروا الاستهام على يونس، على أن ما أجري الاستهام عليه قد أجمع المسلمون على أنه لا يجري في مثله استهام، فلو صح أن ذلك كان شرعاً لمن قبلنا فقد نسخه إجماع علماء أمتنا.