فالإيمان وإقام الصلاة هما منبع الفضائل الفردية؛ لأنهما ينبثق عنهما سائرُ التحليات المأمور بها، والزكاة وإيتاء المال أصل نظام الجماعة صغيرها وكبيرها، والمواساة تقوى عنها الأخوة والاتحاد، وتسدد مصالح للأمة كثيرة، وببذل المال في الرقاب يتعزز جانب الحرية المطلوبة للشارع حتى يصير الناس كلهم أحراراً، والوفاء بالعهد فيه فضيلة فردية وهي عنوان كمال النفس، وفضيلة اجتماعية وهي ثقة الناس بعضهم ببعض. ٢/١٣٢
١١١_ ونَصْبُ [الصَّابِرِينَ] وهو معطوف على مرفوعات نَصْبٌ على الاختصاص على ما هو المتعارف في كلام العرب في عطف النعوت من تخيير المتكلم بين الإتباع في الإعراب للمعطوف عليه وبين القطع قاله الرضيُّ.
والقطع يكون بنصب ما حقُّه أن يكون مرفوعاً أو مجروراً، وبرفع ما هو بعكسه؛ ليظهر قصد المتكلم القطعَ حين يختلف الإعراب؛ إذ لا يعرف أن المتكلم قصد القطع إلا بمخالفة الإعراب، فأما النصب فبتقدير فعل مدح أو ذم بحسب المقام، والأظهر تقدير فعل (أخص) لأنه يفيد المدح بين الممدوحين والذم بين المذمومين.
وقد حصل بنصب [الصَّابِرِينَ] هنا فائدتان: إحداهما عامة في كل قطع من النعوت، فقد نُقِلَ عن أبي علي الفارسي أنه إذا ذكرت الصفات الكثيرة في معرض المدح أو الذم فالأحسن أن يخالف إعرابها، ولا تجعل كلها جارية على موصوفها؛ لأن هذا من مواضع الإطناب؛ فإذا خولف إعراب الأوصاف كان المقصود أكمل لأن الكلام عند اختلاف الإعراب يصير كأنه أنواع من الكلام وضروب من البيان.
قال في الكشاف: =نُصِبَ على المدح وهو باب واسع كسره سيبويه على أمثلة وشواهد. اهـ+.
١_ سميت في المصاحف وكتب التفسير وكتب السنة والآثار عن السلف (سورة صاد) كما ينطق باسم حرف الصاد تسمية لها بأول كلمة منها هي صاد، _بصاد فألف فدال ساكنة سكون وقف_ شأن حروف التهجي عند التهجي بها أن تكون موقوفة، أي ساكنة الأعجاز.
وأما قول المعري يذكر سليمان _عليه السلام_:

وهو من سُخِّرت له الإنس والجـ ـن بما صح من شهادة صاد
فإنما هي كسرة القافية الساكنة تغير إلى الكسرة؛ لأن الكسر أصل في التخلص من السكون كقول امرئ القيس:
عقرتَ بعيري يا امرأ القيس فانزل
وفي الإتقان عن كتاب جمال القراء للسخاوي: أن سورة (ص) تسمى _أيضاً_ سورة (داود) ولم يُذْكَر سنده في ذلك.
وكُتِبَ اسمُها في المصاحف بصورة حرف الصاد مثل سائر الحروف المقطعة في أوائل السور؛ اتباعاً لما كُتب في الصحف.
وهي مكية في قول الجميع، وذكر في الإتقان أن الجعبري حكى قولاً بأنها مدنية قال السيوطي: وهو خلاف حكاية جماعةٍ الإجماعَ على أنها مكية.
وعن الداني في كتاب العدد بأنها مدنية وقال: إنه ليس بصحيح.
وهي السورة الثامنة والثلاثون في عداد نزول السور نزلت بعد سورة: [اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ] وقبل سورة الأعراف.
وعُدَّت آيها ستاً وثمانين عند أهل الحجاز والشام والبصرة وعدها أيوب ابن المتوكل البصري خمساً وثمانين.
وعُدَّت عند أهل الكوفة ثماناً وثمانين. ٢٣/٢٠١_٢٠٢
٢_ أغراضها: أصلُها ما عَلِمتَ من حديث الترمذي في سبب نزولها، وما اتصل به من توبيخ المشركين على تكذيبهم الرسول"وتَكَبُّرِهم عن قبول ما أرسل به، وتهديدِهم بمثل ما حلَّ بالأمم المكذبة قبلهم، وأنهم إنما كذبوه لأنه جاء بتوحيد الله _تعالى_ ولأنه اخْتُصَّ بالرسالة من دونهم، وتسلية الرسول"عن تكذيبهم وأن يقتدي بالرسل من قبله داود وأيوب وغيرهم، وما جُوْزوا عن صبرهم، واستطرادِ الثناء على داود وسليمان وأيوب، وأَتْبَعَ ذكر أنبياء آخرين؛ لمناسبة سنذكرها.


الصفحة التالية
Icon