تلك أحكام متتابعة من إصلاح أحوال الأفراد وأحوال المجتمع، وابتدئ بأحكام القصاص؛ لأن أعظم شيء من اختلال الأحوال اختلال حفظ نفوس الأمة، وقد أفرط العرب في إضاعة هذا الأصل، يعلم ذلك من له إلمام بتاريخهم وآدابهم وأحوالهم؛ فقد بلغ بهم تطرفهم في ذلك إلى وشك الفناء لو طال ذلك، فلم يتداركهم الله فيه بنعمة الإسلام؛ فكانوا يُغير بعضُهم على بعض؛ لغنيمة أنعامه وعبيده ونسائه، فيدافع المُغَار عليه، وتتلف نفوسٌ بين الفريقين، ثم ينشأ عن ذلك طلب الثارات؛ فيسعى كل من قُتِلَ له قتيلٌ في قَتْلِ قاتلِ وليِّه، وإن أعوزه ذلك قتلَ به غيرَه من واحد كفء له، أو عدد يراهم لا يوازونه ويسمون ذلك بالتكايل في الدم، أي كأن دم الشريف يكال بدماء كثيرة؛ فربما قدروه باثنين أو بعشرة أو بمائة، وهكذا يدور الأمر، ويتزايد تزايداً فاحشاً حتى يصير تفانياً، قال زهير:
تداركتما عبساً وذبيان بعدما | تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم(١) |
وفي هذا دليل شرعي على جواز وضع القصص التمثيلية التي يقصد منها التربية والموعظة، ولا يحتمل واضعها جرحة الكذب خلافاً للذين نبزوا الحريري بالكذب في وضع المقامات كما أشار هو إليه في ديباجتها.
وفيها دليل شرعي لجواز تمثيل تلك القصص بالأجسام والذوات إذا لم تخالف الشريعة، ومنه تمثيل الروايات والقصص في ديار التمثيل؛ فإن ما يجري في شرع من قبلنا يصلح دليلاً لنا في شرعنا إذا حكاه القرآنُ، أو سنةُ النبي"ولم يرد في شرعنا ما ينسخه.
وأخذ من الآية مشروعية القضاء في المسجد، قالوا: وليس في القرآن ما يدل على ذلك سوى هذه الآية بناء على أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا حكاه الكتاب أو السنة. ٢٣/٢٣٨
٥_ ومعنى الهوى: المحبة، وأطلق على الشيء المحبوب مبالغة، أي ولو كان هوى شديداً تَعْلَقُ النفس به.
والهوى: كناية عن الباطل، والجور، والظلم؛ لما هو متعارف من الملازمة بين هذه الأمور وبين هوى النفوس؛ فإن العدل والإنصاف ثقيل على النفوس؛ فلا تهواه غالباً، ومن صارت له محبة الحقِّ سجية فقد أوتي العلم والحكمة، وأُيِّد بالحفظ أو العصمة.
والنهي عن اتباع الهوى تحذير له وإيقاظ؛ ليحذر من جراء الهوى ويتّهم هوى نفسه، ويتعقبه؛ فلا ينقاد إليه فيما يدعوه إليه إلا بعد التأمل والتثبت، وقد قال سهل بن حنيف ÷: =اتهموا الرأي+.