وإلى هذا الإشارة والله أعلم بقوله _تعالى_: [وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا] أي كنتم أعداءً بأسباب الغارات والحروب فألَّف بينكم بكلمة الإسلام، وكنتم على وشك الهلاك فأنقذكم منه؛ فضرب مثلاً للهلاك العاجل الذي لا يُبقي شيئاً بحفرة النار؛ فالقائم على حافتها ليس بينه وبين الهلاك إلا أقل حركة. ٢/١٣٤_١٣٥
١١٣_ والوصية الأمر بفعل شيءٍ أو تركه مما فيه نفع للمأمور أو للآمر في مغيب الآمر في حياته، أو فيما بعد موته، وشاع إطلاقها على أمر بشيء يصلح بعد موت الموصي. ١/١٤٧
١١٤_ حُكْمُ الصيامِ حُكْمٌ عظيم من الأحكام التي شرعها الله _تعالى_ للأمة، وهو من العبادات الرامية إلى تزكية النفس ورياضتها، وفي ذلك صلاح حال الأفراد فرداً فرداً؛ إذ منها يتكون المجتمع. ٢/١٥٤
١١٥_ وإذا قد كان من المتعذر على الهيكل البشري بما هو مستودع حياة حيوانية أن يتجرد عن حيوانيته _ فمن المتعذر عليه الانقطاع البات عن إمداد حيوانيته بمطلوباتها؛ فكان من الّلازم لتطلب ارتقاء نفسه أن يتدرج به في الدرجات الممكنة من تهذيب حيوانيته، وتخليصه من التوغل فيها بقدر الإمكان؛ لذلك كان الصوم من أهم مقدمات هذا الغرض؛ لأن فيه خصلتين عظيمتين؛ هما الاقتصاد في إمداد القوى الحيوانية، وتعود الصبر بردِّها عن دواعيها.
وإذ قد كان البلوغ إلى الحد الأتم من ذلك متعذراً _كما علمت_ حاول أساطين الحكمة النفسانية الإقلال منه؛ فمنهم من عالج الإقلال بنقص الكميات وهذا صوم الحكماء، ومنهم من حاوله من جانب نقص أوقات التمتع بها وهذا صوم الأَديان، وهو أبلغ إلى القصد، وأظهر في ملكة الصبر.
ذلك أن هوى النفس يكون في الأمور السهلة عليها الرائقة عندها، ومعظم الكمالات صعبة على النفس؛ لأنها ترجع إلى تهذيب النفس، والارتقاء بها عن حضيض الحيوانية إلى أوج المَلَكِية، ففي جميعها أو معظمها صرفٌ للنفس عما لاصَقَها من الرغائب الجسمانية الراجع أكثرها إلى طبع الحيوانية؛ لأنها إما مدعوةٌ لداعي الشهوة، أو داعي الغضب؛ فالاسترسال في اتباعها وقوعٌ في الرذائل في الغالب؛ ولهذا جُعل هنا الضلال عن سبيل الله مُسَبَّباً على اتباع الهوى، وهو تَسَبُّبٌ أغلبي عرفي؛ فشبَّه الهوى بسائرٍ في طريق مهلكة على طريقة المكنية، ورمز إليه بلازم ذلك، وهو الإضلال عن طريق الرشاد المعبر عنه بسبيل الله؛ فإن الذي يتبع سائراً غيرَ عارفٍ بطريق المنازل النافعة لا يلبث أن يجدَ نفسَه وإياه في مهلكة، أو مقطعة طريق. ٢٣/٢٤٤
٦_ وقد بدت من إبليس نزعة كانت كامنة في جِبِلَّتِه وهي نزعة الكبر والعصيان، ولم تكن تظهر منه قبل ذلك؛ لأن الملأ الذي كان معهم كانوا على أكمل حسن الخلطة، فلم يكن منهم مثيرٌ لما سكن في نفسه من طبع الكبر والعصيان.
فلما طرأ على ذلك الملأ مخلوق جديد، وأُمر أهل الملأ الأعلى بتعظيمه كان ذلك مورياً زناد الكبر في نفس إبليس، فنشأ عنه الكفر بالله، وعصيان أمره.
وهذا ناموس خُلُقي جعله الله مبدأ لهذا العالم قبل تعميره، وهو أن تكون الحوادث والمضائق معيار الأخلاق والفضيلة، فلا يحكم على نفس بتزكية أو ضدها إلا بعد تجربتها وملاحظة تصرفاتها عند حلول الحوادث بها.
وقد مُدح رجل عند عمر بن الخطاب بالخير، فقال عمر: هل أريتموه الأبيض والأصفر؟ يعني الدراهم والدنانير، وقال الشاعر:
لا تمدحن امرءاً حتى تجربه | ولا تذمنه من قبل تجريب |
إن الرجال صناديق مقفلة | وما مفاتيحها غير التجاريب |
١_ سميت (سورة الزمر) من عهد النبي"، فقد روى الترمذي عن عائشة قالت: =كان النبي"لا ينام حتى يقرأ الزمر وبني إسرائيل+.