وبذلك يحصل للإنسان دربة على ترك شهواته، فيتأهل للتخلق بالكمال؛ فإن الحائل بينه وبين الكمالات والفضائل هو ضعف التحمل للانصراف عن هواه وشهواته.
إذا المرء لم يَتْرُك طعاما يُحِبُّه | ولم يَنْهَ قلباً غاوياً حيث يمما |
فيُوشك أن تلقَى له الدهرَ سُبَّةً | إذا ذُكِرتْ أمثالُها تَملأُ الفما |
١١٦_ وقوله: [تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ] فَذْلَكَةُ(١) الحساب، أي جامعته فالحاسب إذا ذكر عددين فصاعداً قال عند إرادة جمع الأعداد: فذلك أي المعدود كذا؛ فصيغت لهذا القول صيغة نحت(٢) مثل: بسمل؛ إذا قال: باسم الله، وحوقل؛ إذا قال: لا حول ولا قوة إلا بالله؛ فحروف فذلكة متجمعة من حروف فذلك؛ كما قال الأعشى:
ثلاث بالغداة فهن حسبي | وست حين يدركني العشاء |
فذلك تسعة في اليوم ريي | وشرب المرء فوق الريِّ داء |
ثلاث واثنتان فتلك خمس | وسادسة تميل إلى الشمام |
(١) _ الفذلكة: كلمة محدثة، ومعناها: مجمل ما فصِّل، وخلاصته.
ومنه: فَذْلَك الحساب: أي أنهاه، وفرغ منه.
وهي منحوتة من قوله: فذلك كذا وكذا: إذا أجمل حسابه. انظر المعجم الوسيط ٢/٦٧٨. (م)
(٢) _ النحت في اصطلاح علماء فقه اللغة: أن يجعل من كلمتين فأكثر كلمة واحدة، مثل ما ذكره المؤلف، ومثل قولهم: عبشمي: نسبة إلى عبد شمس، وعبدري نسبة إلى عبد الدار. (م)
ومنه: فَذْلَك الحساب: أي أنهاه، وفرغ منه.
وهي منحوتة من قوله: فذلك كذا وكذا: إذا أجمل حسابه. انظر المعجم الوسيط ٢/٦٧٨. (م)
(٢) _ النحت في اصطلاح علماء فقه اللغة: أن يجعل من كلمتين فأكثر كلمة واحدة، مثل ما ذكره المؤلف، ومثل قولهم: عبشمي: نسبة إلى عبد شمس، وعبدري نسبة إلى عبد الدار. (م)
وإنما سميت سورة الزمر لوقوع هذا اللفظ فيها دون غيرها من سور القرآن.
وفي تفسير القرطبي عن وهب بن منبه أنه سماها (سورة الغرف) وتناقله المفسرون.
ووجهه أنها ذكر فيها لفظ الغرف، أي بهذه الصيغة دون الغرفات، في قوله _تعالى_: [لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ] الآيةَ.
وهي مكية كلها عند الجمهور، وعن ابن عباس أن قوله _تعالى_: [قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ] الآيات الثلاث.
وقيل: إلى سبع آيات نزلت بالمدينة في قصة وحشيّ قاتل حمزة، وسنده ضعيف، وقصته عليها مخائل القصص.
وعن عمر بن الخطاب أن تلك الآيات نزلت بالمدينة في هشام بن العاصي ابن وائل؛ إذ تأخر عن الهجرة إلى المدينة بعد أن استعد لها.
وفي رواية: أن معه عياشَ بنَ أبي ربيعة وكانا تواعدا على الهجرة إلى المدينة ففُتِنا، فافتتنا.
والأصح أنها نزلت في المشركين _كما سيأتي عند تفسيرها_ وما نشأ القول بأنها مدنية إلا لما روي فيها من القصص الضعيفة.
وقيل: نزل _أيضاً_ قوله _تعالى_: [قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ] الآية بالمدينة.
وعن ابن عباس أن قوله _تعالى_: [اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً] الآية، نزل بالمدينة.
فبلغت الآيات المختلف فيها تسع آيات.
والمتجه: أنها كلَّها مكيةٌ، وأن ما يخيل أنه نزل في قصص معينة إن صحت أسانيده أن يكون وقع التمثل به في تلك القصص؛ فاشتبه على بعض الرواة بأنه سبب نزول.
وسيأتي عند قوله _تعالى_: [وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ] أنها نزلت قبيل هجرة المؤمنين إلى الحبشة، أي في سنة خمس قبل الهجرة.
وهي السورة التاسعة والخمسون في ترتيب النزول على المختار، نزلت بعد سورة سبأ وقبل سورة غافر.
وعدت آياتها عند المدنيين والمكيين والبصريين اثنتين وسبعين، وعند أهل الشام ثلاثاً وسبعين، وعند أهل الكوفة خمساً وسبعين. ٢٣/٣١١_٣١٢