١١٧_ وقد سئلت عن حكمة كون الأيام عشرة فأجبت: بأنه لعله نشأ من جمع سبعة وثلاثة؛ لأنهما عددان مباركان، ولكن فائدة التوزيع ظاهرة، وحكمة كون التوزيع كان إلى عددين متفاوتين لا متساويين ظاهرة؛ لاختلاف حالة الاشتغال بالحج؛ ففيها مشقة، وحالة الاستقرار بالمنزل.
وفائدة جعل بعض الصوم في مدة الحج جعل بعض العبادة عند سببها، وفائدة التوزيع إلى ثلاثة وسبعة أن كليهما عدد مبارك ضبطت بمثله الأعمال دينية وقضائية. ٢/٢٢٩
١١٨_ والألباب: جمع لب وهو العقل، واللب من كل شيء: الخالص منه، وفعله لَبُبَ يَلُبُّ بضم اللام قالوا: وليس في كلام العرب فَعُل يفعل بضم العين في الماضي والمضارع من المضاعف إلا هذا الفعل حكاه سيبويه عن يونس، وقال ثعلب: ما أعرف له نظيراً. ٢/٢٣٦
١١٩_ ودلت الآية على طلب ذكر الله _تعالى_ في أيام رمي الجمار وهو الذكر عند الرمي وعند نحر الهدايا.
وإنما أُمروا بالذكر في هذه الأيام؛ لأن أهل الجاهلية كانوا يشغلونها بالتفاخر ومغازلة النساء، قال العرجي(١):

ما نَلتقي إلا ثلاثَ مِنى حتى يُفَرِّقَ بيننا النَّفْر
وقال عمر بن أبي ربيعة:
بَدَا ليَ منها مِعْصَمٌُ حينَ جَمَّرَتْ(٢) وكَفٌّ خَضيبٌ زُيِّنَتْ ببَنَان
فواللهِ ما أدري وإن كُنْتُ دَارياً بسَبْعٍ رَمَيْتُ الجَمْرَ أمْ بثَمَان
لأنهم كانوا يرون أن الحج قد انتهى بانتهاء العاشر بعد أن أمسكوا عن ملاذِّهم مدة طويلة؛ فكانوا يعودون إليها، فأمرهم الله _تعالى_ بذكرِ الله فيها، وذكْرُ الله فيها هو ذكره عند رمي الجمار.
(١) _ وقال: الحج إن حجت فماذا منى... وأهله إن هي لم تحجج... (م)
نلبث حولاً كاملاً كله لا نلتقي إلا على منهج
(٢) _ يعني رمت الجمار. (م)

٢_ أغراضها: ابتُدِئَتْ هذه السورة بما هو كالمقدمة للمقصود، وذلك بالتنويه بشأن القرآن تنويهاً تكرر في ستة مواضع(١)من هذه السورة؛ لأن القرآن جامع لأغراضها.
وأغراضُها كثيرةٌ تحوم حولَ إثباتِ تفرد الله بالإلهية، وإبطالِ الشرك فيها.
وإبطالِ تَعَلُّلات المشركين لإشراكهم وأكاذيبهم.
ونفيِ ضَرْبٍ من ضروب الإشراك وهو زعمهم أن لله ولداً.
والاستدلالِ على وحدانية الله في الإلهية بدلائلِ تَفَرُّدِهِ بإيجاد العوالم العلوية والسفلية، وبتدبيرِ نظامها وما تحتوي عليه مما لا ينكر المشركون انفراده به.
والخلقِ العجيبِ في أطوار تكوُّنِ الإنسان والحيوان.
والاستدلالِ عليهم بدليل من فعلهم وهو التجاؤهم إلى الله عندما يصيبهم الضُّر.
والدعوةِ إلى التدبر فيما يُلْقى إليهم من القرآن الذي هو أحسن القول.
وتنبيههِم على كفرانِهم شُكْرَ النَّعْمَةِ.
والمقابلةِ بين حالهم وبين حال المؤمنين المخلصين لله.
وأن دينَ التوحيدِ هو الذي جاءت به الرسلُ مِنْ قَبْل.
والتحذيرُ من أن يَحِلَّ بالمشركين ما حَلَّ بأهل الشرك من الأمم الماضية.
وإعلامُ المشركين بأنهم وشركاءهم لا يُعْبَأُ بهم عند الله وعند رسوله"فالله غنيٌّ عن عبادتهم، ورسولُه لا يخشاهم ولا يخاف أصنامَهم؛ لأن اللهَ كفاه إياهم جميعاً.
وإثباتُ البعثِ والجزاء؛ لِتُجْزَى كلُّ نفس بما كسبت.
وتمثيلُ البعث بإحياء الأرض بعد موتها.
(١) _ هي قوله: [تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنْ اللَّهِ] الآيتين وقوله: [اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ] الآيه، وقوله: [وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ] الآيتين، وقوله: [إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ] الآية، وقوله: [وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ] الآية، وقوله:[بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي] الآية.


الصفحة التالية
Icon