وأما قول العرب رُكَيَّةُ جهنم أي بعيد القعر فلا حجة فيه؛ لأنه ناشئ عن تشبيه الركية بجهنم؛ لأنهم يصفون جهنم أنها كالبئر العميقة الممتلئة ناراً، قال ورقة ابن نوفل أو أمية بن أبي الصلت يرثي زيداً بن عمرو بن نفيل وكانا معاً ممن ترك عبادة الأوثان في الجاهلية:

رَشَدْتَ وأنعمت ابن عمروٍ وإنما تَجَنَّبْتَ تَنُّوراً من النار مُظْلِما
٢/٢٧١_٢٧٢
١٢٢_ وعلامة الباطن تكون في تصرفات المرء؛ فالذي يحب الفساد ويهلك الحرث والنسل لا يكون صاحب ضمير طيب، وأن الذي لا يصغي إلى دعوة الحق إذا دعوته إليه ويظهر عليه الاعتزاز بالظلم _ لا يرعوي عن غيه ولا يترك أخلاقه الذميمة، والذي لا يشح بنفسه في نصرة الحق ينبئ خلقه عن إيثار الحق والخير على الباطل والفساد، ومن لا يرأف فالله لا يرأف به. ٢/٢٧٤
١٢٣_ ومعنى تزيين الحياة لهم: إما أَنَّ ما خلق زيناً في الدنيا قد تمكن من نفوسهم، واشتد توغُّلهم في استحسانه؛ لأن الأشياء الزَّيْنَةَ هي حسنةٌ في أعين جميع الناس؛ فلا يختص الذين كفروا بجعلها لهم زينة كما هو مقتضى قوله: [لِلَّذِينَ كَفَرُوا] فإن اللام تشعر بالاختصاص، وإما ترويج تزيينها في نفوسهم بدعوة شيطانية تُحَسِّنُ ما ليس بالحسن كالأقيسة الشعرية، والخواطر الشهوية.
والمزيِّن على المعنى الأول هو الله _تعالى_ إلا أنهم أفرطوا في الإقبال على الزينة، والمزيِّن على المعنى الثاني هو الشيطان ودعاته.
قال مالك: وإنما هذا شيء يكون في القلب لا يُملك وذلك من وسوسة الشيطان؛ ليمنعه من العمل فمن وجد ذلك فلا يُكْسِلْه عن التمادي على فعل الخير ولا يؤيسه من الأجر، وليدفع الشيطان عن نفسه ما استطاع _أي إذا أراد تثبيطه عن العمل_ ويجدد النية؛ فإن هذا غير مؤاخذ به إن شاء الله+ ا هـ. ٢٣/٣١٩
٦_ وأقول: إن القصد إلى العبادة ليتقرب إلى الله؛ فيسأله ما فيه صلاحه في الدنيا _أيضا_ لا ضير فيه، لأن تلك العبادة جعلت وسيلة للدعاء ونحوه وكل ذلك تقرب إلى الله _تعالى_ وقد شرعت صلوات لكشف الضر، وقضاء الحوائج مثل صلاة الاستخارة وصلاة الضرِّ والحاجة.
ومن المغتفر _أيضاً_ أن يقصد العامل من عمله أن يدعوَ له المسلمون، ويذكروه بخير.
وفي هذا المعنى قال عبدالله بن رواحة÷ حين خروجه إلى غزوة مؤتة ودعا له المسلمون حين ودّعوه ولمن معه بأن يردهم الله سالمين:
لكنني أسأل الرحمان مغفرةً وضربةً ذاتَ فرع يقذف الزبدا
أو طعنة من يدي حران مجهزة بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا
حتى يقولوا إذا مروا على جدثي أرشدك الله من غازٍ وقد رشدا
وقد علمت من تقييدنا الحظ بأنه حظ دنيوي أن رجاء الثواب واتقاء العقاب هو داخل في معنى الإخلاص؛ لأنه راجع إلى التقرب لرضى الله _تعالى_. ٢٣/٣١٩_٣٢٠
٧_ وينبغي أن تعلم أن فضيلة الإخلاص في العبادة هي قضية أخص من قضية صحة العبادة وإجزائها في ذاتها؛ إذ قد تعرُو العبادة عن فضيلة الإخلاص، وهي مع ذلك صحيحة مجزئة، فللإخلاص أثر في تحصيل ثواب العمل، وزيادته، ولا علاقة له بصحة العمل. ٢٣/٣٢٠
٨_ [يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ] بدل من جملة: [خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ].
وضمير المخاطبين هنا راجع إلى الناس لا غير، وهو استدلال بتطور خلق الإنسان على عظيم قدرة الله، وحكمته، ودقائق صنعه.


الصفحة التالية
Icon