وكَرِّي إذا نادَى المضافُ مُجَنَّباً كَسِيدِ الغَضَا نَبَّهْتَه المُتَوَرِّدِ(١)
٢/٢٩٥
١٢٥_ فآدم خُلِقَ في أحسن تقويم يليق بالذَّكر جسماً وعقلاً، وألهمه معرفة الخير واتباعه، ومعرفة الشر وتجنبه؛ فكانت آراؤه مستقيمة تتوجه ابتداءً لما فيه النفع، وتهتدي إلى ما يحتاج للاهتداء إليه، وتتعقل ما يشار به عليه؛ فتميز النافع من غيره، ويساعده على العمل بما يهتدي إليه فِكْرُه جسدٌ سليمٌ قويٌّ متينٌ.
وحواء خلقت في أحسن تقويم يليق بالأنثى خلقاً مشابهاً لخلق آدم؛ إذ إنها خلقت كما خلق آدم، قال _تعالى_: [خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا] فكانت في انسياق عقلها واهتدائها وتعقُّلها ومساعدة جسدها على ذلك _ على نحو ما كان عليه آدم.
(١) _ قوله: (جدِّك) قَسَم، والجَدُّ: هو الحظ والبخت، وقوله: (لم أحفل): لم أبالِ، وقوله: (عُوَّدي) جمع عائد من العيادة للمريض، وقوله: (كميت) وصف للخمرة، وهي التي لونها بين السواد والحمرة، وقوله: (المضاف) المذعور الذي ضافته الهموم، وقوله: (محنباً) المحنب هو الفرس الذي في يديه الحناء، وقوله: (سِيْد الغضا) نوع من الذئاب، وهو أخبثها، ويُسمى ذئب الغضا، وقوله: (المتورد) الذي ورد الماء، وقوله: (الدجن) الغيم في السماء، وتقصير يوم الدجن: تقطيعه بالعبث، وجعله قصيراً باللعب، وقوله: (البهكنة) المرأة الجميلة الحسنة الخلق، وقوله: (الخباء المعمد) الخيمة.
ومعنى الأبيات: لولا حبي ثلاثَ خصالٍ هن من اللذات لم أبالِ متى قام عودي من عندي ؛ آيسين من حياتي.
وهذه الثلاث هي : شرب الخمر، وإغاثة المذعور، وتقطيع اليوم الذي تلبدت سماؤه بالغيوم بالتمتع بامرأة حسناء تحت الخباء المعمد.
هذا هو غاية همته، ومنتهى طموحه، ولولا ذلك _كما يقول_ لم يبال بالمنية متى نزلت به ! (م)

التاسع: في الشهر الثامن يزيد غلظه أكثر من ازدياد طوله، ويكون طوله نحو أربعين سنتيمتراً، ووزنه نحو أربعة أرطال أو تزيد، وتقوى حركته.
العاشر: في الشهر التاسع يصير طوله من خمسين إلى ستين سنتيمتراً ووزنه من ستة إلى ثمانية أرطال، ويتم عظمُه، ويتضخم رأسه، ويكثف شعره، وتبتدئ فيه وظائفُ الحياة في الجهاز الهضمي والرئة والقلب، ويصير نماؤه بالغذاء، وتظهر دورة الدم فيه المعروفة بالدورة الجنينية.
و(الظلمات الثلاث): ظلمة بطن الأم، وظلمة الرحم، وظلمة المشيمة، وهي غشاء من جلد يخلق مع الجنين محيطاً به ليقيه وليكون به استقلاله مما ينجر إليه من الأغذية في دورته الدموية الخاصة به دون أمه.
وفي ذكر هذه الظلمات تنبيهٌ على إحاطة علم الله _تعالى_ بالأشياء، ونفوذ قدرته إليها في أشد ما تكون فيه من الخفاء. ٢٣/٣٣٣_٣٣٤
٩_ [أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ].
وشرح الصدر للإسلام استعارة لقبول العقل هديَ الإسلام ومحبته.
وحقيقة الشرح أنه: شق اللحم، ومنه سمي علم مشاهدة باطن الأسباب وتركيبه علم التشريح؛ لتوقفه على شق الجلد واللحم، والاطلاع على ما تحت ذلك.
ولما كان الإنسان إذا تحير وتردد في أمر يجد في نَفَسه عما يتأثر منه جهازه العصبي، فيظهر تأثره في انضغاط نَفَسه حتى يصير تنفسه عسيراً، ويكثر تنهده، وكان عضو التنفس في الصدر، شبه ذلك الانضغاط بالضيق والانطباق فقالوا: ضاق صدره قال _تعالى_ عن موسى: [وَيَضِيقُ صَدْرِي].
وقالوا: انطبق صدره، وانطبقت أضلاعه، وقالوا في ضد ذلك: شرح اللهُ صَدْرَهُ، وجمع بينهما قوله _تعالى_: [فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ] في سورة الأنعام.
ومنه قولهم: فلان في انشراح، أي يحس كأن صدره شُرح ووُسع.


الصفحة التالية
Icon