وإذا كان الإصلاح يسير ببطء فما الذنب ذنبه، وإنما الذنب لطبيعة الزمان والمكان، وضعف المقتضيات، وقوّة الموانع.
وحسبه أنه حرَّك الخامد، وزعزع الجامد، وأجال اليد المُصلحة في الإدارة وفي كتب الدراسة وفي أشياء أُخر.
وتلك هي مبادئ الإصلاح التي ينبني عليها أساسه.
وحسبه _أيضاً_ أنه نبّه الأذهان إلى أن إصلاحاتِ خير الدين كعهد الأمان، كلاهما لا يصلح لهذا الزمان.
وشتّان ما زمنٌ كله ممهد بالاحتلال، وزمن كل ما فيه ينادي بالاستقلال+.
وقال: =وإن الزيتونة لا تتبوّأ مكانها الرفيع إلا بواسطة جهاز داخلي متماسك الأجزاء من علمائها، يؤُمّهم إمامٌ مدرّب محنّك فقيه في المذاهب الإدارية، مجتهد في أصولها.
وإن ذلك الإمامَ المدرّبَ الفقيه المجتهد الجامع لشروط الإمامة في هذا الباب _ لهو الأستاذ الأكبر الشيخ محمد الطاهر بن عاشور.
إن الذين يُثيرون في وجهه الغبار، أو يضعون في وجهته العواثر _ لمجرمون.
وإنا _إن شاء الله_ للأستاذ الأكبر في طريقه الإصلاحي لمؤيدون وناصرون+.
وفاته: بعض من ترجموا للشيخ ابن عاشور يذكرون أنه توفي سنة ١٣٩٣هـ.
ولعل أقرب الناس صلة بالشيخ تلميذه معالي الشيخ محمد الحبيب بن الخوجة _حفظه الله_.
وقد ذكر أن الشيخ توفي بالمرسى يوم الأحد ١٣ رجب ١٣٩٤هـ، ١٢ أغسطس ١٩٧٣م، ووري التراب في مقبرة الزلاج في مدينة تونس(١).
وقد ذكر الشيخ محمد الحبيب بن الخوجة أن عمر الشيخ ابن عاشور ٩٤ سنة، ولعل ذلك يصدق عليه بالتاريخ الميلادي حيث ولد في سبتمبر عام ١٨٧٩م، وتوفي _كما مر_ عام ١٩٧٣م.
أما في التاريخ الهجري فيكون عمره ٩٨ سنة؛ حيث ولد في جمادى الأولى عام ١٢٩٦، وتوفي عام ١٣٩٤هـ.
لعل الترجمة الماضية تغنينا عن كثرة التفصيل؛ ولذا سيكون التعريف بالكتاب من خلال ما يلي:

(١) _ انظر شيخ الإسلام الإمام الأكبر محمد الطاهر بن عاشور، للشيخ محمد الحبيب بن الخوجة ١/١٦٩.

وبأنهم عرفوا الرسولَ، وخبروا صدقَه وأمانتَه ونُصْحَهُ المجردَ عن طلبِ المنفعة لنفسه إلا ثواب الله؛ فلا عذر لهم بحال في إشراكهم وتكذيبهم الرسالة، ولكنهم متبعون أهواءهم معرضون عن الحق.
وما تخلل ذلك من جوامع الكلم.
وخُتِمَتْ بأمر النبي"أن يغضَّ عن سوء معاملتهم، ويدفعها بالتي هي أحسن، ويسأل المغفرة للمؤمنين، وذلك هو الفلاح الذي ابتدئت به السورة. ١٨/٦_٧
٣_ والرعي: مراقبة شيء بحفظه من التلاشي، وبإصلاح ما يفسد منه؛ فمنه رعي الماشية، ومنه رعي الناس، ومنه أطلقت المراعاة على ما يستحقه ذو الأخلاق الحميدة من حسن المعاملة، والقائم بالرعي راع.
فرعي الأمانة: حفظها، ولما كان الحفظ مقصوداً لأجل صاحبها كان ردها إليه أولى من حفظها.
ورعي العهد مجاز، أي ملاحظته عند كل مناسبة. ١٨/١٧
٤_ [فَأَنشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (١٩) وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلآكِلِينَ].
وإنشاء الجنات من صنع الله _تعالى_ أول إنبات الجنات في الأرض ومن بعد ذلك أنبتت الجنات بغرس البشر، وذلك _ أيضاً _ من صنع الله بما أودع في العقول من معرفة الغرس، والزرع، والسقي، وتفجير المياه واجتلابها من بُعْد؛ فكل هذا الإنشاء من الله _تعالى_.
والجنة: المكان ذو الشجر، وأكثر إطلاقه على ما كان فيه نخل وكرم.
وقد تقدم عند قوله _تعالى_: [كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ] الآية في سورة البقرة.
وما ذكر هنا من أصناف الشجر الثلاثة هو أكرم الشجر، وأنفعه ثمراً وهو النخيل، والأعناب، والزيتون، وتقدم الكلام على النخيل والأعناب والزيتون في سورة الأنعام، وفي سورة النحل.
والفواكه: جمع فاكهة، وهي الطعام الذي يُتَفَكَّه بأكله، أي يتلذذ بطعمه من غير قصد القوت؛ فإن قُصد به القوت قيل له طعام.


الصفحة التالية
Icon