أولاً: اسم الكتاب: يقول مؤلفه ابن عاشور في مقدمة كتابه ١/٨_٩: =وسميته (تحرير المعنى السديد، وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد) واختصرت هذا الاسم باسم: (التحرير والتنوير من التفسير)+.
فهذه تسمية مؤلفه له.
ثم اشتهر هذا التفسير باسم: (التحرير والتنوير) و(تفسير التحرير والتنوير) كما هو على غلاف الكتاب المطبوع.
ثانياً: قصة تأليفه للكتاب وبدايته ونهايته: لقد كان تفسير الكتاب المجيد أكبر أمنية كان يتمناها الشيخ ابن عاشور _ كما يقول في مقدمته _.
ولكنه كان يتردد كثيراً، فتارة يقدم، وتارة يحجم؛ إذ كانت الصوارف تعوقه، والتهيب من الإقدام على هذا الأمر العظيم يقف دونه.
وبعد تردد، واستخارة، واستعانة بالله _عز وجل_ عقد العزم على الشروع في التفسير، وأقدم عليه _كما يقول_: إقدام الشجاع على وادي السباع.
وكانت بداية تأليفه للتفسير عام ١٣٤١هـ، وفرغ منه عام ١٣٨٠هـ.
وبعد فراغه منه ختمه بكلمة عظيمة مؤثرة قال فيها: =وإن كلام رب الناس حقيق بأن يُخدم سعياً على الرأس، وما أدّى هذا الحقَّ إلا قلمُ مُفَسِّرٍ يسعى على القرطاس، وإنَّ قلمي استنَّ بشوط فسيح، وكم زُجِرَ عند الكَلالِ والإعياء زجر المنيح، وإذ قد أتى على التمام فقد حقَّ له أنْ يستريح.
وكان تمام هذا التفسير عصر يوم الجمعة الثاني عشر من شهر رجب عام ثمانين وثلاثمائة وألف، فكانت مدة تأليفه تسعاً وثلاثين سنة وستة أشهر، وهي حقبة لم تَخْلُ من أشغالٍ صارفةٍ، ومؤلفات أخرى أفنانُها وارفة، ومنازعَ بقريحةٍ شاربةٍ طوراً، وطوراً غارفة، وما خلال ذلك من تشتت بال، وتطور أحوال، مما لم تَخْلُ عن الشكاية منه الأجيال، ولا كُفران لله فإن نِعَمَهُ أوفى، ومكاييلَ فضلِه عَلَيَّ لا تُطَفَّفُ ولا تُكْفا.
وأرجو منه _تعالى_ لهذا التفسير أن يُنجد ويغور، وأن ينفع به الخاصة والجمهور، ويجعلني به من الذين يرجون تجارةً لن تبور.
فمن الأطعمة ما هو فاكهة وطعام كالتمر، والعنب؛ لأنه يؤكل رطباً ويابساً، ومنها ما هو فاكهة وليس بطعام كاللوز والكمثرى، ومنها ما هو طعام غير فاكهة كالزيتون، ولذلك أَخَّر ذكر شجرة الزيتون عن ذكر أخويها؛ لأنه أريد الامتنان بما في ثمرتهما من التفكه والقوت؛ فتكون مِنَّةً بالحاجيِّ والتحسيني. ١٨/٣٣
٥_ فيظهر أن المعنى أن الله خلق أول شجر الزيتون في طور سيناء، وذلك أن الأجناس والأنواع الموجودة على الكرة الأرضية لابد لها من مواطن كان فيها ابتداء وجودها قبل وجودها في غيرها؛ لأن بعض الأمكنة تكون أسعد لنشأة بعض الموجودات من بعض آخر؛ لمناسبة بين طبيعة المكان وطبيعة الشيء الموجود فيه من حرارة أو برودة أو اعتدال، وكذلك فصول السنة كالربيع لبعض الحيوان والشتاء لبعض آخر، والصيف لبعض غيرها؛ فالله _تعالى_ يوجد الموجودات في الأحوال المناسبة لها؛ فالحيوان والنبات كله جار على هذا القانون.
ثم إن البشر إذا نَقَلوا حيواناً أو نباتاً من أرض إلى أرض، أو أرادوا الانتفاع به في فصل غير فصله، ورأوا عدم صلاحية المكان أو الزمان المنقول إليهما يحتالون له بما يكمل نقصه من تدفئة في شدة برد، أو تبريد بسبح في الماء في شدة الحر؛ حتى لا يتعطل تناسل ذلك المنقول إلى غير مكانه؛ فكما أن بعض الحيوان أو النبات لا يعيش طويلاً في بعض المناطق الملائمة لطباعه كالغزال في بلاد الثلوج فكذلك قد يكون بعض الأماكن من المنطقة الملائمة للحيوان أو النبات أصلح به من بعض جهات تلك المنطقة؛ فلعل جَوَّ طورِ سَيناءَ لتوسطه بين المناطق المتطرفة حراً وبرداً، ولتوسط ارتفاعه بين النجود والسهول _ يكون أسعدَ بطبع فصيلة الزيتون كما قال _تعالى_: [زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ].


الصفحة التالية
Icon