وكان تمامه بمنزلي ببلد المرسى شرقيّ مدينة تونس، وكَتَبَ محمد الطاهر ابن عاشور+(١).
وقد طبع هذا التفسير في دار سحنون للنشر والتوزيع بتونس.
وقد جاء في ثلاثين جزءاً، في خمسة عشر مجلداً، وعدد صفحات التفسير كلها أحد عشر ألفاً ومائة وسبع وتسعون صفحة (١١١٩٧ صفحة) عدا صفحات فهارس كل جزء، فإنها لم تذكر في هذه الطبعة أعني طبعة دار سحنون.
أولاً: منهج ابن عاشور المجمل
لقد سلك ابن عاشور في تفسيره منهجاً متميزاً، فجاء محتوياً على مزايا عظيمة، متضمناً علوماً كثيرة، وفوائد جمة وربما كانت عزيزة.
وقد بذل في هذا التفسير قصارى جهده، واستجمع قواه العقلية والعلمية؛ فتجلت فيه مواهبه المتعددة، وتبين من خلاله علوُّ كعبه، ووفرة اطلاعه، وعلميته الفذة النادرة، ومنهجه التربوي، ونظراته الإصلاحية.
ولقد بين × في مقدمته الرائعة منهجه بإجمال، ويمكن حصر ذلك بما يلي:
١_ بدأ تفسير ه بمقدمات عشر؛ لتكون _ كما يقول _ عوناً للباحث في التفسير، وتغنيه عن مُعاد كثير، وهذه المقدمات تضمنت علماً غزيراً عظيماً.
٢_ اهتم ببيان وجوه الإعجاز، ونكت البلاغة العربية، وأساليب الاستعمال.
٣_ اهتم ببيان تناسب اتصال الآي بعضها ببعض.
٤_ لم يغادر سورة إلا وبين أغراضها، وما تشتمل عليها بإجمال.
٥_ اهتم بتحليل الألفاظ، وتبيين معاني المفردات بضبط وتحقيق مما خلت عن ضبط كثير منه قواميسُ اللغة.
٦_ عُنِيَ باستنباط الفوائد، وربطها بحياة المسلمين.
٧_ حَرِصَ على استلهام العبر من القرآن؛ لتكون سبباً في النهوض بالأمة.
فهذا مجمل منهجه الذي بيَّنه، وسار عليه.
ثانياً: منهج ابن عاشور المفصل في تفسيره
أما منهجه على وجه التفصيل فيحتاج إلى مزيد بسط وبيان.
وفيما يلي بيان لذلك، ومن خلاله سيتبين خلاصة ما اشتمل عليه التفسير من العلوم والمعارف.

(١) _ تفسير التحرير والتنوير ٣٠/٦٣٦_٦٣٧.

فالله _تعالى_ هيأ لتكوينها حين أراد تكوينها ذلك المكان، كما هيأ لتكوين آدم طينة خاصة فقال: [خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ] ثم يكون الزيتون قد نقل من أول مكان ظهر فيه إلى أمكنة أخرى نقله إليها ساكنوها؛ للانتفاع به، فنجح في بعضها، ولم ينجح في بعض.
وقد ثبت في التوراة أن شجرة الزيتون كانت موجودة قبل الطوفان وبعده؛ ففي الإصحاح الثامن من سفر التكوين: أن نوحاً أرسل حمامةً تبحث عن مكان غيضت عنه مياه الطوفان؛ فرجعت الحمامة عند المساء تحمل في منقارها ورقة زيتون خضراء، فعلم نوح أن الماء أخذ يغيض عن الأرض.
ومعلوم أن ابتداء غيض الماء إنما ينكشف عن أعالي الجبال أول الأمر؛ فلعل ورقة الزيتون التي حملتها الحمامة كانت من شجرة في طور سيناء.
وأيَّاً ما كان فقد عرف نوح ورقةَ الزيتون، فدل على أنهم كانوا يعرفون هذه الشجرة قبل الطوفان، ولكن لم يرد ذكر استعمال زيت الزيتون في طعام في التاريخ القديم إلا في عهد موسى _عليه السلام_ أيام كان بنو إسرائيل حول طور سيناء؛ فقد استعمل الزيت؛ لإنارة خيمة الاجتماع بوحي الله لموسى(١) وسكب موسى دهن المسحة على رأس هارون أخيه حين أقامه كاهناً لبني إسرائيل(٢).
ويجوز أن يكون معنى [تَخْرُجُ] تظهر وتعرف؛ فيكون أول اهتداء الناس إلى منافع هذه الشجرة وانتقالهم إياها كان من الزيتون الذي بطور سيناء.
وهذا كما نسمي الديك الرومي في بلدنا بالديك الهندي؛ لأن الناس عرفوه من بلاد الهند، وكما تسمى بعض السيوف في بلاد العرب بالمشرفية؛ لأنها عرفت من مشارف الشام، وبعض الرماح الخطية؛ لأنها ترد إلى بلاد العرب من مرفأ يقال له: الخط، وبعض السيوف بالمهند؛ لأنه يجلب من الهند، وقد كان الزيت يجلب إلى بلاد العرب من الشام ومن فلسطين.
(١) _ الإصحاح ٢٥ من سفر الخروج.
(٢) _ الإصحاح ٩ من سفر الخروج.


الصفحة التالية
Icon