والثاني كان غير موجود، لأن البشر يومئذ كانوا عائلة واحدة في موطن واحد يسير على نظام واحد، وتربية واحدة، وإحساس واحد؛ فمن أين يجيئه الاختلاف؟
والثالث ممكن الوجود لكن المحبة الناشئة عن حسن المعاشرة وعن الإلف، والشفقة الناشئة عن الأخوة والمواعظ الصادرة عن الأبوين _ كانت حُجُبَاً لما يهجس من هذا الإحساس.
والرابع لم يكن بالذي يكثر في الوقت الأول من وجود البشر؛ لأن الحاجاتِ كانت جارية على وفق الطباع الأصلية، ولأن التحسينات كانت مفقودة، وإنما هذا السبب الرابع من موجبات الرقي والانحطاط في أحوال الجمعيات البشرية الطارئة. ٢/٣٠٣_٣٠٤
١٢٦_ والبشارة: الإعلام بخيرٍ حصل، أو سيحصل.
والنِّذارة بكسر النون: الإعلام بشرٍّ، و ضُرٍّ حصل أو سيحصل.
وذلك هو الوعد والوعيد الذي تشتمل عليه الشرائع. ٢/٣٠٧
١٢٧_ و[لَمَّا] أخت (لم) في الدلالة على نفي الفعل، ولكنها مُرَكَّبة من لم وما النافية؛ فأفادت توكيد النفي؛ لأنها ركبت من حرفي نفي، ومن هذا كان النفي بها مشعراً بأن السامع كان يترقب حصول الفعل المنفي بها؛ فيكون النفي بها نفياً لحصول قريب، وهو يُشعر بأن حصول المنفي بها يكون بعد مدة، وهذا استعمال دل عليه الاستقراء، واحتجوا له بقول النابغة:

أزِفَ الترحُّلُ غيرَ أن ركابنا لما تَزُلْ برحالنا وكأنْ قدِ
فنفى بلما، ثم قال: وكأن قد، أي وكأنه قد زالت. ٢/٣١٥
١٢٨_ فالقتال كريه للنفوس، لأنه يحول بين المقاتل وبين طمأنينته ولذاته ونومه وطعامه وأهله وبيته، ويُلْجِئ الإنسان إلى عداوة من كان صاحبه، ويعرِّضه لخطر الهلاك، أو ألم الجراح.
ولكن فيه دفع المذلة الحاصلة من غلبة الرجال واستضعافهم، وفي الحديث =لا تمنوا لقاء العدو، فإذا لقيتم فاصبروا+.
وهو إشارة إلى أن القتال من الضرورات التي لا يحبها الناس إلا إذا كان تركها يفضي إلى ضر عظيم، قال العقيلي:
١١_ وقد أوصى أئمة سلفنا الصالح أن لا يُذكَر أحدٌ من أصحاب الرسول"إلا بأحسن ذكر، وبالإمساك عما شجر بينهم، وأنهم أحق الناس بأن يُلتمس لهم أحسنُ المخارج فيما جرى بين بعضهم، ويظن بهم أحسن المذاهب.
ولذلك اتفق السلف على تفسيق ابن الأشتر النخعي ومن لُفَّ لَفَّه من الثوار الذين جاءوا من مصر إلى المدينة لخلع عثمان بن عفان، واتفقوا على أن أصحاب الجمل، وأصحاب صفين كانوا متنازعين عن اجتهاد، وما دفعهم عليه إلا السعي لصلاح الإسلام، والذب عن جامعته من أن تتسرب إليها الفرقة والاختلال؛ فإنهم جميعاً قدوتنا، وواسطة تبليغ الشريعة إلينا، والطعن في بعضهم يفضي إلى مخاوف في الدين، ولذلك أثبت علماؤنا عدالة جميع أصحاب النبي". ٢٤/١١
١٢_ [قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥٣)].
أُطنبت آيات الوعيد بأفنانها السابقة إطناباً يبلغ من نفوس سامعيها أيَّ مبلغ من الرعب والخوف على رغم تظاهرهم بقلة الاهتمام بها.
وقد يبلغ بهم وقعها مبلغ اليأس من سَعيٍ ينجيهم من وعيدها، فأعقبها الله ببعث الرجاء في نفوسهم؛ للخروج إلى ساحل النجاة إذا أرادوها على عادة هذا الكتاب المجيد من مداواة النفوس بمزيج الترغيب والترهيب.


الصفحة التالية
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2025
Icon
ونَبِكي حينَ نَقتُلُكم عليكم ونقَتلكم كأنَّا لا نُبالي