ومعلوم أن كراهية الطبع لا تنافي تلقي التكليف به برضاً؛ لأن أكثر التكليف لا يخلو عن مشقة. ٢/٣٢٠_٣٢١
١٢٩_ فإن الشيء قد يكون لذيذاً ملائماً، ولكن ارتكابه يفضي إلى الهلاك، وقد يكون كريهاً منافراً وفي ارتكابه صلاح.
وشأنُ جمهورِ الناس الغفلة عن العاقبة والغاية أو جهلهما؛ فكانت الشرائع وَحَمَلَتُها من العلماء والحكماء تحرض الناس على الأفعال والتروك باعتبار الغايات والعواقب. ٢/٣٢٢
١٣٠_ ثم إن الله _تعالى_ جعل نظام الوجود في هذا العالم بتولد الشيء من بين شيئين وهو المعبر عنه بالازدواج، غير أن هذا التولد يحصل في الذوات بطريقة التولد المعروفة قال _تعالى_: [وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ].
وأما حصوله في المعاني فإنما يكون بحصول الصفة من بين معني صفتين أخريين متضادتين تتعادلان في نفس؛ فينشأ عن تعادلهما صفة ثالثة.
والفضائل جُعِلَت متولدة من النقائص؛ فالشجاعة من التهور والجبن، والكرم من السرف والشح ولا شك أن الشيء المتولد من شيئين يكون أقل مما تولد منه، لأنه يكون أقل من الثلث؛ إذ ليس كلما وجد الصفتان حصل منهما تولد صفة ثالثة، بل حتى يحصل التعادل والتكافؤ بين تَيْنِكِ الصفتين المتضادتين، وذلك عزيز الحصول.
ولا شك أن هاته الندرة قضت بقلة اعتياد النفوس هاته الصفات، فكانت صعبة عليها لقلة اعتيادها إياها.
ووراء ذلك فالله حدد للناس نظاماً لاستعمال الأشياء النافعة والضارة فيما خلقت لأجله؛ فالتبعة في صورة استعمالها على الإنسان وهذا النظام كله تهيئة لمراتب المخلوقات في العالم الأبدي عالم الخلود وهو الدار الآخرة كما يقال: =الدنيا مزرعة الآخرة+. ٢/٣٢٣
١٣١_ ومن سب النبي"قتل ولا تقبل توبته. ٢/٣٣٦
١٣٢_ هذا، واعلم أن الردة في الأصل هي الخروج من عقيدة الإسلام عند جمهور المسلمين. ٢/٣٣٦
والكلام استئناف بياني؛ لأن الزواجر السابقة تثير في نفوس المواجَهين بها خاطر التساؤل عن مسالك النجاة؛ فتتلاحم فيها الخواطر الملَكية والخواطر الشيطانية إلى أن يُرسي التلاحم على انتصار إحدى الطائفتين؛ فكان في إنارة السبيل لها ما يسهل خطو الحائرين في ظلمات الشك، ويرتفق بها، ويواسيها بعد أن أثخنتها جروح التوبيخ والزجر والوعيد، ويضمد تلك الجراحة _والحليمُ يزجرُ ويلين_ وتثير في نفس النبي"خشية أن يحيط غضبُ الله بالذين دعاهم إليه فأعرضوا، أو حببهم في الحق فأبغضوا؛ فلعله لا يُفْتَح لهم باب التوبة، ولا تقبل منهم بعد إعراضهم أوبة، ولا سيما بعد أن أمره بتفويض الأمر إلى حُكْمِه، المشتَمِّ منه ترقبُ قطعِ الجدال وفصمِه، فكان أمره لرسوله "بأن يناديهم بهذه الدعوة؛ تنفيساً عليه، وتفتيحاً لباب الأوبة إليه؛ فهذا كلام ينحل إلى استئنافين فجملة (قل) استئناف لبيان ما ترقَّبَه أفضل النبيين " أي بلغ عني هذا القول. ٢٤/٣٩_٤٠
١_ وردت تسمية هذه السورة في السنة (حم المؤمن).
روى الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله": =من قرأ حم المؤمن+ إلى [إِلَيْهِ الْمَصِيرُ] وآية الكرسي حين يصبح حفظ بهما+ الحديث.
وبذلك اشتهرت في مصاحف المشرق، وبذلك ترجمها البخاري في صحيحه والترمذي في الجامع.
ووجه التسمية أنها ذكرت فيها قصة مؤمن آل فرعون، ولم تذكر في سورة أخرى بوجه صريح.
والوجه في إعراب هذا الاسم حكايةُ كلمة (حم) ساكنةَ الميم بلفظها الذي يقرأ، وبإضافته إلى لفظ (المؤمن) بتقدير: سورة حم ذِكْرِ المؤمن أو (لفظ المؤمن) وتسمى _أيضاً_ سورة (الطَّوْل) لقوله _تعالى_ في أولها: [ذِي الطَّوْلِ] وقد تنوسي هذا الاسم.
وتسمى سورة غافر لذكر وصفه _تعالى_: [غَافِرِ الذَّنْبِ] في أولها.
وبهذا الاسم اشتهرت في مصاحف المغرب.