١٤٠_ والنوم: معروف وهو فتور يعتري أعصاب الدماغ من تعب أعمال الأعصاب، ومن تصاعد الأبخرة البدنية الناشئة عن الهضم والعمل العصبي؛ فيشتدّ عند مغيب الشمس ومجيءِ الظلمة؛ فيطلب الدمَاغ والجهاز العصبي الذي يدبّره الدمَاغ استراحةً طبيعية؛ فيغيب الحِسّ شيئاً فشيئاً، وتثقل حركة الأعضاء، ثم يغيب الحسّ إلى أن تسترجع الأعصاب نشاطها؛ فتكون اليقظة. ٣/١٩
١٤١_ والحكمة: إتقان العلم وإجراء الفعل على وفق ذلك العلم؛ فلذلك قيل: نزلت الحكمة على ألسنة العرب، وعقول اليونان، وأيدي الصينيين.
وهي مشتقة من الحُكْم _وهو المنع_ لأنها تمنع صاحبها من الوقوع في الغلط والضلال، قال _تعالى_: [كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ] ومنه سميت الحديدة التي في اللجام وتجعل في فم الفرس، حَكَمَة. ٣/٦١
١٤٢_ ومن يشاء الله _تعالى_ إيتاءه الحكمة هو الذي يخلقه مستعدَّاً إلى ذلك، من سلامة عقله واعتدال قواه، حتى يكون قابلاً لفهم الحقائق منقاداً إلى الحق إذا لاح له، لا يصدّه عن ذلك هوى ولا عصبية ولا مكابرة ولا أنفة، ثم ييسّر له أسباب ذلك من حضور الدعاة، وسلامة البقعة من العُتاة.
فإذا انضمّ إلى ذلك توجّه إلى الله بأن يزيد أسبابه تيسيراً، ويمنع عنه ما يحجب الفهم _ فقد كمل له التيسير.
وفسرت الحكمة بأنّها معرفة حقائق الأشياء على ما هي عليه بما تبلغه الطاقة، أي بحيث لا تلتبس الحقائق المتشابهة بعضها مع بعض، ولا يغلط في العلل والأسباب. ٣/٦١
١٤٣_ والحكمة قسمت أقساماً مختلفة الموضوع اختلافاً باختلاف العصور والأقاليم.
ومبدأ ظهور علم الحكمة في الشرق عند الهنود البراهمة والبوذيين، وعند أهل الصين البوذيين.
وفي بلاد فارس في حكمة زرادشت، وعند القبط في حكمة الكهنة.
ثم انتقلت حكمة هؤلاء الأمم الشرقية إلى اليونان، وهُذّبت وصحّحت، وفرعت، وقسمت عندهم إلى قسمين: حكمة عملية، وحكمة نظرية.
فأما الحكمة العملية فهي المتعلقة بما يصدر من أعمال الناس.
وإنذارُهم بما يَلْقَون مِنْ هَوْلِه، وما يترقبهم من العذاب، وتوعدهم بأن لا نصيرَ لهم يومئذ، وبأن كبراءهم يتبرؤون منهم.
وتثبيتُ الله رسولَه"بتحقيقِ نصرِ هذا الدينِ في حياته وبعد وفاته.
وتخلَّل ذلك الثناءُ على المؤمنين، وَوصفُ كرامتِهم، وثناءُ الملائكة عليهم.
ووردَ في فضلِ هذه السورةِ الحديثُ الذي رواه الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: =من قرأ حم المؤمن إلى [إِلَيْهِ المَصِيْر] وآية الكرسي حين يصبح حفظ بهما حتى يمسي، ومن قرأهما حين يمسي حفظ بهما حتى يصبح+. ٢٤/٧٧_٧٨
٤_ [وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ (٣٦) أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِباً].
هذه مقالة أخرى لفرعون في مجلس آخر غير المجلس الذي حاجّه فيه موسى ولذلك عطف قوله بالواو كما أشرنا إليه فيما عطف من الأقوال السابقة آنفاً، وكما أشرنا إليه في سورة القصص، وتقدم الكلام هنالك مستوفى على نظيره معنى هذه الآية على حسب ظاهرها، وتقدم ذكر (هامان) والصرح هنالك.
وقد لاح لي هنا محمل آخر أقرب أن يكون المقصود من الآية ينتظم مع ما ذكرناه هنالك في الغاية ويخالفه في الدلالة، وذلك أن يكون فرعون أمر ببناء صرح لا لقصد الارتقاء إلى السماوات، بل ليخلُوَ بنفسه رياضة، ليستمد الوحي من الرب الذي ادعى موسى أنه أَوحَى إليه إذ قال: [إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى].
فإن الارتياض في مكان منعزل عن الناس كان من شعار الاستحياء الكهنوتي عندهم، وكان فرعون يحسب نفسه أهلاً لذلك؛ لزعمه أنه ابن الآلهة، وحامي الكهنة والهياكل.


الصفحة التالية
Icon