وهي تنحصر في تهذيب النفس، وتهذيب العائلة، وتهذيب الأمة.
والأول: علم الأخلاق: وهو التخلق بصفات العلو الإلهيّ بحسب الطاقة البشرية، فيما يصدر عنه كمال في الإنسان.
والثاني: علم تدبير المنزل.
والثالث: علم السياسة المدنية والشرعية.
وأما الحكمة النظرية فهي الباحثة عن الأمور التي تعلم وليست من الأعمال، وإنما تعلم لتمام استقامة الأفهام والأعمال، وهي ثلاثة علوم:
علم يلقب بالأسفل وهو الطبيعي، وعلم يلقب بالأوسط وهو الرياضي، وعلم يلقب بالأعلى وهو الإلهي.
فالطبيعي: يبحث عن الأمور العامة للتكوين والخواص والكون والفساد، ويندرج تحته حوادث الجو، وطبقات الأرض والنبات والحيوان والإنسان، ويندرج فيه الطب والكيمياء والنجوم.
والرياضي: الحساب، والهندسة، والهيئة، والموسيقى، ويندرج تحته الجبر والمساحة والحيل المتحركة (الماكينية) وجرّ الأثقال.
وأما الإلهي: فهو خمسة أقسام: معاني الموجودات، وأصول ومبادئ وهي المنطق ومناقضة الآراء الفاسدة، وإثبات واجب الوجود وصفاته، وإثبات الأرواح والمجردات، وإثبات الوحي والرسالة، وقد بيّن ذلك أبو نصر الفارابي وأبو علي ابن سينا.
فأما المتأخرون _ من حكماء الغرب _ فقد قصروا الحكمة في الفلسفة على ما وراء الطبيعة، وهو ما يسمى عند اليونان بالإلهيات. ٣/٦١_٦٢
١٤٤_ والمهم من الحكمة في نظر الدين أربعة فصول:
أحدها: معرفة الله حق معرفته وهو علم الاعتقاد الحق، ويسمى عند اليونان العلم الإلهي أو ما وراء الطبيعة.
الثاني: ما يصدر عن العلم به كمالُ نَفْسِيَّةِ الإنسان، وهو علم الأخلاق.
الثالث: تهذيب العائلة، وهو المسمى عند اليونان علم تدبير المنزل.
الرابع: تقويم الأمة وإصلاح شؤونها وهو المسمى علم السياسة المدنية، وهو مندرج في أحكام الإمامة والأحكام السلطانية.
ودعوة الإسلام في أصوله وفروعه لا تخلو عن شعبة من شعب هذه الحكمة.
وإنما كان يشغله تدبير أمر المملكة؛ فكان يكِل شؤون الديانة إلى الكهنة في معابدهم، فأراد في هذه الأزمة الجدلية أن يتصدى لذلك بنفسه؛ ليكون قوله الفصل في نفي وجود إله آخر؛ تضليلاً لدهماء أمته؛ لأنه أراد التوطئة للإخبار بنفي إله آخر غير آلهتهم، فأراد أن يتولى وسائل النفي بنفسه كما كانت لليهود محاريب للخلوة للعبادة كما تقدم عند قوله _تعالى_: [فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنْ الْمِحْرَابِ] وقوله: [كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ] ومن اتخاذ الرهبان النصارى صوامع في أعالي الجبال؛ للخلوة للتعبد.
ووجودها عند هذه الأمم يدل على أنها موجودة عند الأمم المعاصرة لهم والسابقة عليهم. ٢٤/١٤٥_١٤٦
٥_ وكلمة: [لا جَرَمَ] بفتحتين في الأفصح من لغات ثلاث فيها، كلمة يراد بها معنى: لا يثبت، أو لابد؛ فمعنى ثبوته؛ لأن الشيء الذي لا ينقطع هو باق وكل ذلك يؤول إلى معنى حق وقد يقولون: لا ذا جرم، ولا أنَّ ذا جرم، ولا عَنَّ ذا جرم، ولا جَرَ بدون ميم ترخيماً للتخفيف.
والأظهر أن (جرم) اسم لا فعل؛ لأنه لو كان فعلاً لكان ماضياً بحسب صيغته، فيكون دخول (لا) عليه من خصائص استعمال الفعل في الدعاء.
والأكثر أن يقع بعدها (أنَّ) المفتوحة المشددة؛ فيقدر معها حرف (في) ملتزماً حذفه غالباً.
والتقدير: لا شك في أن ما تدعونني إليه ليس له دعوة.
وتقدم بيان معنى (لا جرم) وأن جرم فعل أو اسم عند قوله _تعالى_: [لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمْ الأَخْسَرُونَ] في سورة هود. ٢٤/١٥٤
١_ تسمى (حم السجدة) بإضافة (حم) إلى (السجدة) كما قدمناه في أول سورة المؤمن، وبذلك تُرجمت في صحيح البخاري، وفي جامع الترمذي؛ لأنها تميزت عن السور المفتتحة بحروف (حم) بأن فيها سجدةً من سجود القرآن.


الصفحة التالية
Icon