فلذلك لم يسمح لصاحب المال في استثماره بطريقة الربا في السلف، ولو كان المستسلف غير محتاج، بل كان طالب سعة وإثراء بتحريك المال الذي يتسلَّفه في وجوه الربح والتجارة ونحو ذلك، وسمح لصاحب المال في استثماره بطريقة الشركة والتجارة ودَيْنِ السَّلَم، ولو كان الربح في ذلك أكثر من مقدار الربا؛ تفرقة بين المواهي الشرعية.
ويمكن أن يكون مقصد الشريعة من تحريم الربا البعد بالمسلمين عن الكسل في استثمار المال، وإلجاؤهم إلى التشارك والتعاون في شؤون الدنيا؛ فيكون تحريم الربا ولو كان قليلاً، مع تجويز الربح من التجارة والشركات ولو كان كثيراً؛ تحقيقاً لهذا المقصد. ٤/٨٦_٨٧
٢٣_ ولقد قضى المسلمون قروناً طويلة لم يروا أنفسهم فيها محتاجين إلى التعامل بالربا، ولم تكن ثروتهم أيامئذ قاصرة عن ثروة بقية الأمم في العالم، أَزْمَانَ كانت سيادة العالم بيدهم، أو أزمان كانوا مستقلين بإدارة شؤونهم، فلما صارت سيادة العالم بيد أمم غير إسلامية، وارتبط المسلمون بغيرهم في التجارة والمعاملة، وانتظمت سوق الثروة العالمية على قواعد القوانين التي لا تتحاشى المراباة في المعاملات، ولا تعرف أساليب مواساة المسلمين _ دهش المسلمون، وهم اليوم يتساءلون، وتحريم الربا في الآية صريح، وليس لما حرمه الله مبيح.
ولا مخلص من هذا المضيق إلا أن تجعل الدول الإسلامية قوانين مالية تُبنى على أصول الشريعة في المصارف، والبيوع، وعقود المعاملات المركبة من رؤوس الأموال وعمل العمال، وحوالات الديون، ومقاصتها، وبيعها.
وهذا يقضي بإعمال أنظار علماء الشريعة والتدارس بينهم في مجمع يحوي طائفة من كل فرقة كما أمر الله _تعالى_. ٤/٨٧
٢٤_ وقد أجرى على المتقين صفات ثناء وتنويه هي ليست جماع التقوى، ولكن اجتماعها في محلها مؤذن بأن ذلك المحل الموصوف بها قد استكمل ما به التقوى، وتلك هي مقاومة الشح المطاع، والهوى المتَّبع.
الصفة الأولى: الإنفاق في السراء والضراء.
والسوار: حلقة عريضة من ذهب أو فضة تحيط بالرسغ، وهو عند معظم الأمم من حلية النساء الحرائر ولذلك جاء في المثل: =لو ذاتُ سوار لطمتني+ أي لو حرة لطمتني، قاله أحد الأسرى لطمته أمةٌ لقوم هو أسيرهم.
وكان السوار من شعار الملوك بفارس ومصر يلبس الملك سوارين.
وقد كان من شعار الفراعنة لبس سوارين أو أسورة من ذهب وربما جعلوا سوارين على الرسغين، وآخرين على العضدين.
فلما تخيّل فرعون أن رتبة الرسالة مثل المُلك حسب افتقادها هو من شعار الملوك عندهم أمارة على انتفاء الرسالة. ٢٥/٢٣٢
١_ سميت هذه السورة (حم الدخان).
روى الترمذي بسندين ضعيفين يعضد بعضهما بعضاً: عن أبي هريرة عن النبي": =من قرأ حم الدخان في ليلة أو في ليلة الجمعة+ الحديث.
واللفظان بمنزلة اسم واحد؛ لأن كلمة (حم) غير خاصة بهذه السورة فلا تُعد علماً لها، ولذلك لم يعدها صاحب الإتقان في عداد السور ذوات أكثر من اسم.
وسميت في المصاحف وفي كتب السنة (سورة الدخان).
ووجه تسميتها بالدخان وقوع لفظ الدخان فيها المراد به آية من آيات الله أيّد الله بها رسوله"فلذلك سميت به اهتماماً بشأنه، وإن كان لفظ (الدخان) بمعنى آخر قد وقع في سورة (حم تنزيل) في قوله: [ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ].
وهي نزلت قبل هذه السورة على المعروف من ترتيب تنزيل سور القرآن عن رواية جابر بن زيد التي اعتمدها الجعبري وصاحب الإتقان على أن وجه التسمية لا يوجبها.
وهي مكية كلها في قول الجمهور.
قال ابن عطية: هي مكية لا أحفظ خلافاً في شيء منها.
ووقع في الكشاف استثناء قوله: [إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ] ولم يعزه إلى قائل، ومِثله القرطبي، وذكره الكواشي قولاً وما عزاه إلى معيّن.
وأحسب أنه قول نشأ عما فهمه القائل، وسنبينه في موضعه.