إن كان عطف فريق آخر فهم غير المتقين الكاملين، بل هم فريق من المتقين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، وإن كان عطف صفات، فهو تفضيل آخر لحال المتقين بأن ذكر أولاً حال كمالهم، وذكر بعده حال تداركهم نقائصهم.
٤/٩١_٩٢
٢٦_ [وَلَقَدْ كُنْتُمْ تََمَنَّوْن الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ(١٤٣)].
كلام ألقي إليهم بإجمال بالغ غاية الإيجاز، ليكون جامعاً بين الموعظة، والمعذرةِ، والملامِ.
والواوُ عاطفةٌ أو حالية، والخطاب للأحياء لا محالة الذين لم يذوقوا الموت، ولم ينالوا الشهادة، والذين كان حظُّهم في ذلك اليوم هو الهزيمةَ، فقوله: [كُنْتُمْ تََمَنَّوْن الْمَوْتَ] أريد به تمني لقاء العدو يوم أحد، وعدم رضاهم بأن يتحصنوا بالمدينة، ويقفوا موقف الدفاع، كما أشار به الرسول _عليه الصلاة والسلام_ ولكنهم أظهروا الشجاعة وحب اللقاء، ولو كان فيه الموت؛ نظراً لقوة العدو وكثرته؛ فالتمني هو تمني اللقاء، ونصر الدين بأقصى جهدهم.
ولما كان ذلك يقتضي عدم اكتراث كل واحد منهم بتلف نفسه في الدفاع؛ رجاء أن يكون قبل هلاكه قد أبلى في العدو، وهيأ النصر لمن بقي بعده _ جعل تمنيهم اللقاء كأنه تمني الموت من أول الأمر؛ تنزيلاً لغاية التمني منزلة مبدئه. ٤/١٠٧_١٠٨
٢٧_ واللين هنا: مجاز في سعة الخلق مع أمة الدعوة والمسلمين، وفي الصفح عن جفاء المشركين، وإقالة العثرات. ٤/١٤٥
٢٨_ أرسل محمد " مفطوراً على الرحمة؛ فكان لينه رحمة من الله بالأمة في تنفيذ شريعته بدون تساهل وبرفق وإعانة على تحصيلها؛ فلذلك جعل لينه مصاحباً لرحمة من الله أودعها الله فيه؛ إذ هو قد بعث للناس كافة، ولكن اختار الله أن تكون دعوته بين العرب أول شيء لحكمة أرادها الله _تعالى_ في أن يكون العرب هُمْ مُبَلِّغي الشريعةِ للعالم.
والعرب أمة عرفت بالأنفة، وإباء الضيم، وسلامة الفطرة، وسرعة الفهم.
٣_ فبركة الليلة التي أنزل فيها القرآن بركة قدَّرها الله لها قبل نزول القرآن؛ ليكون القرآن بابتداء نزوله فيها مُلابساً لوقت مبارك؛ فيزداد بذلك فضلاً وشرفاً.
وهذا من المناسبات الإلهية الدقيقة التي أنبأنا الله ببعضها. ٢٥/٢٧٨
٤_ والذي يجب الجزم به أن ليلة نزول القرآن كانت في شهر رمضان وأنه كان في ليلة القدر.
ولما تضافرت الأخبار أن النبي"قال في ليلة القدر: =اطلبوها في العشر الأواخر من رمضان في ثالثة تبقى في خامسة تبقى في سابعة تبقى في تاسعة تبقى+.
فالذي نعتمده أن القرآن ابتدئ نزوله في العشر الأواخر من رمضان، إلا إذا حُمل قول النبي": =اطلبوها في العشر الأواخر+ على خصوص الليلة من ذلك العام.
وقد اشتهر عند كثير من المسلمين أن ليلة القدر ليلة سبع وعشرين باستمرار وهو مناف لحديث: =اطلبوها في العشر الأواخر+ على كل احتمال. ٢٥/٢٧٨_٢٧٩
١_ سميت هذه السورة في كثير من المصاحف العتيقة بتونس، وكتب التفسير وفي صحيح البخاري (سورة الجاثية) معرفاً باللام.
وتسمى (حم الجاثية) لوقوع لفظ [جَاثِيَةً] فيها ولم يقع في موضع آخر من القرآن، واقتران لفظ (الجاثية) بلام التعريف في اسم السورة مع أن اللفظ المذكور فيها خَلِيّ عن لام التعريف لقصد تحسين الإضافة، والتقدير: سورة هذه الكلمة، أي السورة التي تذكر فيها هذه الكلمة، وليس لهذا التعريف فائدة غير هذه.
وذلك تسمية حم غافر، وحم الزخرف.
وتسمى (سورة شريعة) لوقوع لفظ [شَرِيعَةٍ] فيها ولم يقع في موضع آخر من القرآن.
وتسمى (سورة الدهر) لوقوع [وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ] فيها ولم يقع لفظ الدهر في ذوات حم الأخر.
وهي مكية قال ابن عطية: بلا خلاف، وفي القرطبي عن ابن عباس وقتادة استثناء قوله _تعالى_: [قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا] إلى [بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ] نزلت بالمدينة.