وهم المتلقون الأولون للدين؛ فلم تكن تليق بهم الشدة والغلظة، ولكنهم محتاجون إلى استنزال طائرهم في تبليغ الشريعة لهم؛ ليتجنبوا بذلك المكابرة التي هي الحائل الوحيد بينهم وبين الإذعان إلى الحق.
وورد أن صفح النبي"وعفوه ورحمته كان سبباً في دخول كثير في الإسلام، كما ذكر بعض ذلك عياض في كتاب الشفاء. ٤/١٤٥
٢٩_ والذوق حقيقته: إدراك الطُّعوم، واستعمل هنا مجازاً مرسلاً في الإحساس بالعذاب؛ فعلاقته الإطلاق، ونكتته أن الذوق في العُرْف يستتبع تكرر ذلك الإحساس؛ لأن الذوق يتبعه الأكل، وبهذا الاعتبار يصح أن يكون [ذُوقُوا] استعارة.
وقد شاع في كلام العرب إطلاق الذوق على الإحساس بالخير أو بالشر، وورد في القرآن كثيراً. ٤/١٨٤_١٨٥
١_ سميت هذه السورة في كلام السلف سورة النساء؛ ففي صحيح البخاري عن عائشة قالت: =ما نزلت سورة البقرة وسورة النساء إلا وأنا عنده+.
وكذلك سميت في المصاحف وفي كتب السنة وكتب التفسير، ولا يعرف لها اسم آخر، لكن يؤخذ مما روي في صحيح البخاري عن ابن مسعود من قوله: =لنزلت سورة النساء القُصْرى+ يعني سورة الطلاق أنها شاركت هذه السورة في التسمية لسورة النساء، وأن هذه السورة تميز عن سورة الطلاق باسم سورة النساء الطولى، ولم أقف عليه صريحاً.
ووقع في كتاب بصائر ذوي التمييز للفيروز أبادي أن هذه السورة تسمى سورة النساء الكبرى، واسم سورة الطلاق سورة النساء الصغرى، ولم أره لغيره.(١)
ووجه تسميتها بإضافة إلى النساء أنها افتتحت بأحكام صلة الرحم، ثم بأحكام تخص النساء، وأن فيها أحكاماً كثيرة من أحكام النساء: الأزواج، والبنات، وختمت بأحكام تخص النساء. ٤/٢١٠

(١) _ صفحة١٦٩ جزء ١ مطابع شركة الاعلانات الشرقية بالقاهرة سنة ١٣٨٤.

وعن ابن عباس أنها نزلت عن عمر بن الخطاب شتمه رجل من المشركين بمكة فأراد أن يبطش به فنزلت.
وهي السورة الرابعة والستون في ترتيب نزول السور عند جابر بن زيد، نزلت بعد سورة الدخان وقبل الأحقاف.
وعدد آيها في عد المدينة ومكة والشام والبصرة ست وثلاثون، وفي عد الكوفة سبع وثلاثون لاختلافهم في عد لفظ (حم) آية مستقلة. ٢٥/٣٢٣_٣٢٤
٢_ أغراضها: الابتداءُ بالتحدي بإعجازِ القرآنِ، وأنه جاء بالحق؛ توطئةً لما سيذكر بأنه حقُّ كما اقتضاه قوله: [تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ].
وإثباتُ انفرادِ الله _تعالى_ بالإلهية بدلائلِ ما في السماوات والأرض من آثار خَلْقِه وقدرتِه في جواهر الموجودات وأعراضها، وإدماجُ ما فيها مع ذلك مِنْ نِعَمِ يَحُقُّ على الناس شُكْرُها لا كفرُها.
ووعيدُ الذين كَذبوا على الله، والتزموا الآثامَ بالإصرار على الكفر والإعراض عن النظر في آيات القرآن، والاستهزاء بها.
والتنديدُ على المشركين؛ إذ اتخذوا آلهةً على حسب أهوائهم، وإذ جحدوا البعث، وتهديدُهم بالخسران يومَ البعثِ، ووصفُ أهوالِ ذلك، وما أُعِدَّ فيه من العذاب للمشركين ومن رحمة للمؤمنين.
ودعاءُ المسلمين للإعراض عن إساءة الكفار لهم، والوعدُ بأن اللهَ سيخزي المشركين.
ووصفُ بعضِ أحوالِ يومِ الجزاء.
ونُظِّر الذين أَهملوا النظر في آيات الله مع تبيانها، وخالفوا على رسولهم" فيما فيه صلاحهم بحال بني إسرائيل في اختلافهم في كتابهم بعد أن جاءهم العلم وبعد أن اتبعوه؛ فما ظنك بمن خالف آياتِ اللهِ من أول وَهْلَةِ؛ تحذيراً لهم من أن يقعوا فيما وقع فيه بنو إسرائيل من تسليط الأمم عليهم، وذلك تحذيرٌ بليغ.
وذلك تثبيت للرسول"بأن شَأْنَ شَرْعِهِ مع قومه كشأن شريعة موسى لا تَسْلَمُ من مخالف، وأن ذلك لا يقدحُ فيها، ولا في الذي جاء بها، وأن لا يعبأ بالمعاندين، ولا بكثرتهم؛ إذ لا وزن لهم عند الله. ٢٥/٣٢٤


الصفحة التالية
Icon