٢_ وقد اشتملت على أغراضٍ وأحكام كثيرةٍ أَكْثَرُها تشريعُ معاملاتِ الأقرباء وحقوقهم؛ فكانت فاتحتُها مناسِبةً لذلك بالتذكير بنعمة خلق الله، وأنهم محقوقون بأن يشكروا ربَّهم على ذلك، وأن يراعوا حقوقَ النوعِ الذي خُلِقوا منه بأن يصلوا أرحامَهم القريبةَ والبعيدةَ، وبالرفق بضعفاءِ النوعِ من اليتامى، ويراعوا حقوقَ صنفِ النساء من نوعهم بإقامة العدل في معاملاتهن، والإشارةِ إلى عقود النكاحِ والصداقِ، وشَرْعِ قوانين المعاملة مع النساء في حالتي الاستقامة والانحرافِ من كلا الزوجين، ومعاشرتِهن والمصالحةِ معهن، وبيانِ ما يحل للتزوج منهن، والمحرماتِ بالقرابة أو الصهر، وأحكامِ الجواري بملك اليمين.
وكذلك حقوقُ مصيرِ المالِ إلى القرابة، وتقسيمُ ذلك، وحقوقُ حفظِ اليتامى في أموالهم، وحفظِها لهم، والوصايةُ عليهم.
ثم أحكامُ المعاملاتِ بين جماعة المسلمين في الأموال والدماء، وأحكامُ القتلِ عمداً وخطأً، وتأصيلُ الحكمِ الشرعيِّ بين المسلمين في الحقوق والدفاع عن المعتدى عليه، والأمرُ بإقامة العدل بدون مصانعةٍ، والتحذيرُ من اتباع الهوى، والأمرُ بالبرِّ، والمواساةِ، وأداءِ الأمانات، والتمهيدُ لتحريم شرب الخمر.
وطائفةٌ من أحكامِ الصلاةِ، والطهارةِ، وصلاةِ الخوفِ.
ثم أحوالُ اليهود؛ لكثرتهم بالمدينة، وأحوالُ المنافقين وفضائحُهم، وأحكامُ الجهادِ لدفع شوكةِ المشركين، وأحكامُ معاملةِ المشركين، ومساويهم، ووجوبُ هجرةِ المؤمنين من مكة، وإبطالُ مآثر الجاهلية.
وقد تخلل ذلك مواعظُ وترغيبٌ، ونهيٌ عن الحسد، وعن تمني ما للغير من المزايا التي حرم منها من حرم بحكم الشرع، أو بحكم الفطرة، والترغيب في التوسط في الخير والإصلاح، وبث المحبة بين المسلمين. ٤/٢١٣_٢١٤
٣_ وقد شرع الله تعدد النساء للقادر العادل لمصالح جمة منها: أن في ذلك وسيلة إلى تكثير عدد الأمة بازدياد المواليد فيها.
٣_ [ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ].
وقد بلغت هذه الجملة من الإيجاز مبلغاً عظيماً؛ إذ أفادت أن شريعة الإسلام أفضل من شريعة موسى، وأنها شريعة عظيمة، وأن الرسول"متمكن منها لا يزعزعه شيء عن الدأب في بيانها، والدعوة إليها.
ولذلك فرَّع عليه أمرَه باتباعها بقوله: [فَاتَّبِعْهَا] أي دُم على اتباعها؛ فالأمر لطلب الدوام مثل: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ].
وبين قوله: [فَاتَّبِعْهَا] وقوله: [وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ] محسِّن المطابقة بين الأمر بالاتباع والنهي عن اتباع آخر. ٢٥/٣٤٨
١_ سميت هذه السورة (سورة الأحقاف) في جميع المصاحف وكتب السنة، ووردت تسميتها بهذا الاسم في كلام عبدالله بن عباس.
روى أحمد بن حنبل بسند جيد عن ابن عباس قال: =أقرأني رسول الله سورة من آل حم وهي الأحقاف+.
وكانت السورة إذا كانت أكثر من ثلاثين آية سميت ثلاثين.
وكذلك وردت تسميتها في كلام عبدالله بن مسعود أخرج الحاكم بسند صححه عن ابن مسعود قال: =أقرأني رسول الله سورة الأحقاف+ الحديث.
وحديث ابن عباس السابق يقتضي أنها تسمى ثلاثين إلا أن ذلك لا يختص بها فلا يعد من أسمائها.
ولم يذكرها في الإتقان في عداد السور ذات أكثر من اسم.
ووجه تسميتها (الأحقاف) ورود لفظ الأحقاف فيها ولم يرد في غيرها من سور القرآن.
وهي مكية قال القرطبي: باتفاق جميعهم، وفي إطلاق كثير من المفسرين. ٢٦/٥
٢_ وهذه السورة معدودة الخامسة والستين في عداد نزول السور، نزلت بعد الجاثية وقبل الذاريات.
وعدت آيها عند جمهور أهل الأمصار أربعاً وثلاثين، وعدها أهل الكوفة خمساً وثلاثين والاختلاف في ذلك مبني على أن (حم) تعتبر آية مستقلة أَوْ لا. ٢٦/٦