ومنها: أن ذلك يعين على كفالة النساء اللائي هن أكثر من الرجال في كل أمة؛ لأن الأنوثة في المواليد أكثر من الذكورة، ولأن الرجال يعرض لهم من أسباب الهلاك في الحروب والشدائد ما لا يعرض للنساء، ولأن النساء أطول أعماراً من الرجال غالباً بما فطرهن الله عليه.
ومنها: أن الشريعة قد حرمت الزنا، وضيقت في تحريمه؛ لما يجر إليه من الفساد في الأخلاق والأنساب ونظام العائلات؛ فناسب أن توسع على الناس في تعدد النساء لمن كان من الرجال ميالاً للتعدد مجبولاً عليه، ومنها قصد الابتعاد عن الطلاق إلا لضرورة. ٤/٢٢٦
٤_ ولم يكن في الشرائع السالفة ولا في الجاهلية حد للزوجات، ولم يثبت أن جاء عيسى _عليه السلام_ بتحديد للتزوج، وإن كان ذلك توهمه بعض علمائنا مثل القرافي، ولا أحسبه صحيحاً.
والإسلام هو الذي جاء بالتحديد، فأما أصل التحديد فحكمته ظاهرة؛ من حيث إن العدل لا يستطيعه كل أحد، وإذا لم يقم تعدد الزوجات على قاعدة العدل بينهن اختل نظام العائلة، وحدثت الفتن فيها، ونشأ عقوق الزوجات أزواجهن، وعقوق الأبناء آباءهم بأذاهم في زوجاتهم وفي أبنائهم؛ فلا جرم أن كان الأذى في التعدد لمصلحة يجب أن تكون مضبوطة غير عائدة على الأصل بالإبطال. ٤/٢٢٧
٥_ وأما الانتهاء في التعدد إلى الأربع فقد حاول كثير من العلماء توجيهه فلم يبلغوا إلى غاية مرضية، وأحسب أن حكمته ناظرة إلى نسبة عدد النساء من الرجال في غالب الأحوال، واعتبار المعدل في التعدد؛ فليس كل رجل يتزوج أربعاً، فلنفرض المعدل يكشف عن امرأتين لكل رجل، يدلنا على أن النساء ضعف الرجال.
وقد أشار إلى هذا ما جاء في الصحيح: أنه يكثر النساء في آخر الزمان حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد. ٤/٢٢٧
٣_ أغراضها: من الأغراض التي اشتملت عليها أنها افْتُتِحتْ مِثْلُ سورةِ الجاثية بما يشير إلى إعجاز القرآن للاستدلال على أنه مُنَزَّلٌ من عند الله.
والاستدلالُ بإتقانِ خلقِ السماوات والأرض على التفرد بالإلهية، وعلى إثباتِ جزاء الأعمال.
والإشارةُ إلى وقوع الجزاء بعد البعث، وأن هذا العالمَ صائرٌ إلى فناء، وإبطالُ الشركاءِ في الإلهية، والتدليلُ على خلوِّهم عن صفاتِ الإلهية، وإبطالُ أن يكون القرآن من صنع(١) غير الله.
وإثباتُ رسالةِ محمدٍ " واستشهادُ الله _تعالى_ على صدق رسالته، واستشهادُ شاهدِ بني إسرائيل وهو عبد الله بن سلام.
والثناءُ على الذين آمنوا بالقرآن، وذكرُ بعضِ خصالهم الحميدة وما يضادها من خصال أهل الكفر وحسدِهم الذي بعثهم على تكذيبه.
وذَكَرت معجزةَ إيمان الجن بالقرآن.
وخُتِمَت السورةُ بتثبيت الرسول".
وأقحِمَ في ذلك معاملةُ الوالدين والذريةِ مما هو مِنْ خُلُقِ المؤمنين، وما هو من خلُقُ ِأهل الضلالة.
والعبرةُ بضلالهم مع ما كانوا عليه من القوة، وأن اللهَ أخذهم بكفرهم، وأهلك أمماً أخرى؛ فجعلهم عظةً للمكذبين، وأن جميعهم لم تُغْنِ عنهم أربابُهم المكذوبة.
وقد أشبهت كثيراً من أغراض سورة الجاثية مع تَفَنُّن. ٢٦/٦_٧
١_ سميت هذه السورة في كتب السنة (سورة محمد).
وكذلك ترجمت في صحيح البخاري من رواية أبي ذر عن البخاري، وكذلك في التفاسير قالوا: وتسمى (سورة القتال).
ووقع في أكثر روايات صحيح البخاري (سورة الذين كفروا).
والأشهر الأول، ووجهه أنها ذكر فيها اسم النبي"في الآية الثانية منها فعرفت به قبل سورة آل عمران التي فيها [وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ].

(١) _ لو كانت العبارة: =وإبطال أن يكون القرآن من عند غير الله+ لكانت أدقَّ وأصحَّ _كما هي عبارة المؤلف في كثير من المواضع السابقة واللاحقة_. (م)


الصفحة التالية
Icon