٦_ قد تكره النفوس ما في عاقبته خير؛ فبعضه يمكن التوصل إلى معرفة ما فيه من الخير عند غوص الرأي؛ وبعضه قد علم الله أن فيه خيراً لكنه لم يظهر للناس؛ قال سهل بن حنيف، حين مرجعه من صفين: =اتَّهِموا الرأي فلقد رأيتنا يوم أبي جندل ولو نستطيع أن نرد على رسول الله أمره لرددنا، والله ورسوله أعلم+.
وقد قال _تعالى_ في سورة البقرة:[وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ].
والمقصود من هذا: الإرشاد إلى إعماق النظر، وتغلغل الرأي في عواقب الأشياء، وعدم الاغترار بالبوارق الظاهرة، ولا بميل الشهوات إلى ما في الأفعال من ملائم، حتى يسبره بمسبار الرأي، فيتحقق سلامة حسن الظاهر من سوء خفايا الباطن. ٤/٢٨٧
٧_ والأمهات جمع أُمَّةٍ أو أُمَّهةٍ، والعرب أماتوا أمهة وأمة وأبقوا جَمْعَهُ، كما أبقوا أم وأماتوا جَمْعَه، فلم يسمع منهم الأُمَّات، وورد أُمَّة نادراً في قول شاعر أنشده ابن كيسان:
تقبلتها عن أُمَّةٍ لك طالما | تُنوزع في الأسواق منها خمارها |
عند تناديهم بهالٍ وهبي | أمهتي خِنْدِفُ وإلياس أبي |
لقد ولد الأخيطل أمَّ سوء | مقلدةً من الأُمَّات عارا |
كانت نجائب منذر ومحرق | أماتهن وطرقهن فحيلا |
٨_ ويترتب على إثبات الكبائر والصغائر أحكام تكليفية: منها المخاطبة بتجنب الكبيرة تجنباً شديداً، ومنها وجوب التوبة منها عند اقترابها، ومنها أن ترك الكبائر يعتبر توبةً من الصغائر، ومنها سلب العدالة عن مرتكب الكبائر، ومنها نقض حكم القاضي المتلبس بها، ومنها جواز هجران المتجاهر بها، ومنها تغيير المنكر على المتلبس بها.
وأما تسميتها (سورة القتال) فلأنها ذكرت فيها مشروعية القتال، ولأنها ذكر فيها لفظه في قوله _تعالى_: [وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ] مع ما سيأتي أن قوله _تعالى_: [وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ] إلى قوله: [وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ] أن المعني بها هذه السورة فتكون تسميتها (سورة القتال) تسمية قرآنية.
وهي مدنية بالاتفاق حكاه ابن عطية وصاحب الإتقان.
وعن النسفي: أنها مكية.
وحكى القرطبي عن الثعلبي وعن الضحاك وابن جبير: =أنها مكية+ ولعله وَهْمٌ ناشئٌ عما روي عن ابن عباس أن قوله _تعالى_: [وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ] الآية نزلت في طريق مكة قبل الوصول إلى حراء، أي في الهجرة.
قيل نزلت هذه السورة بعد يوم بدر وقيل نزلت في غزوة أحد.
وعدت السادسة والتسعين في عداد نزول سور القرآن، نزلت بعد سورة الحديد وقبل سورة الرعد.
وآيها عدت في أكثر الأمصار تسعاً وثلاثين، وعدها أهل البصرة أربعين، وأهل الكوفة تسعاً وثلاثين. ٢٦/٧١
٢_ أغراضها: معظم ما في هذه السورةِ التحريضُ على قتال المشركين، وترغيبُ المسلمين في ثواب الجهاد.
افتتحت بما يثير حنقَ المؤمنين على المشركين؛ لأنهم كفروا بالله وصدوا عن سبيله، أي دينه.
وأعلم اللهُ المؤمنين بأنه لا يسدد المشركين في أعمالهم، وأنه مصلحُ المؤمنين؛ فكان ذلك كفالةً للمؤمنين بالنصر على أعدائهم.
وانْتُقِلَ من ذلك الى الأمر بقتالهم، وعدمِ الإبقاء عليهم.
وفيها وعدُ المجاهدين بالجنة، وأمرُ المسلمين بمجاهدة الكفار، وأن لا يَدْعُوهم إلى السلم، وإنذارُ المشركين بأن يصيبَهم ما أصاب الأممَ المكذبين مِنْ قبلهم.
ووصفُ الجنةِ ونعيمِها، ووصفُ جهنمَ وعذابِها.
ووصفُ المنافقين وحالِ اندهاشهم إذا نزلت سورة فيها الحضُّ على القتال، وقلةِ تَدَبُّرِهِمُ القرآنَ وموالاتِهم المشركين.