وتراه يُخطِّئ الشيعة والباطنية وغيرهم في كثير من مخالفاتهم العقدية، بل يخالف الأشاعرة في عدد من المسائل في باب القدر وغيره، فعلى الرغم من أن ابن عاشور قد نشأ في جوٍّ يسود فيه المذهب الأشعري إلا أنه لم يكن يتحرج من توجيه النقد لما آل إليه المذهب الأشعري(١).
كما أنه × يُنكر البدع الحادثة، والأباطيل والخرافات كالطيرة، وأداء صلاة الظهر بعد صلاة الجمعة، وغيرها مما ورد في التفسير، وإن كان _أحياناً_ يميل إلى تسويغ بعض البدع كما في سورة القدر؛ حيث قال في قوله _تعالى_: [تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ] الآيةَ: =وفي هذا أصل عظيم لإقامة المواكب؛ لإحياء ذكرى أيام مجد الإسلام، وأن من كان له عمل في أصل تلك الذكرى ينبغي أن لا يخلو عنه موكب البهجة بتذكارها+ ٣٠/٤٦٣.
كما أنه يرد على أباطيل الصوفية، وإن كان أحياناً يورد أقوالاً لبعضهم كابن عربي دون تعليق عليها.
فهذا مجمل منهجه في العقيدة، وسيتضح مزيد بيان لهذه الفقرة في الفقرات التالية.
٢_ العناية بالحديث الشريف: فكثيراً ما يورد الأحاديث النبوية، ويستشهد بها، ويحرص على بيان صحيحها من ضعيفها، ويستعين بها على تفسير آية، أو ترجيح قول، أو بيان سبب نزول.
وربما ذكر الحديثَ دون عزوٍ أو بيانٍ لدرجة صحته.
٣_ الإلمام بالفقه: فكثيراً ما يتعرض للمسائل الفقهية التي يمر بها تفسيره، فيبين ما فيها من خلاف، ويوضح أقوال أهل المذاهب، ثم يرجِّح ما يراه راجحاً.
وقد يتعرض للمسائل التي يحتاج إليها الناس في وقته، أو التي وقع فيها الخلاف كمسألة أخذ الأجر على القربات، ومسألة نقل لحوم الهدي من مكة، ومسألة أحكام الخروج من البلد الذي يفتن فيه المسلم في دينه، إلى غير ذلك من المسائل.
٤_ العناية بعلم القراءات: فهو يورد القراءات، ويرجح ذلك القول بناءً على تلك القراءة أو غيرها، وهكذا...

(١) _ انظر مقدمة الميساوي على مقاصد الشريعة ص٧١.

وتدل على البعد، وأكثر ما تستعمل مكررة مرتين كما في هذه الآية أو ثلاثاً كما جاء في شعر لحميد الأرقط وجرير يأتيان.
واختلف فيها أهي فعل أم اسم؟
فجمهور النحاة ذهبوا إلى أن [هَيْهَاتَ] اسم فعل للماضي من البعد؛ فمعنى هيهات كذا: بَعُدَ؛ فيكون ما يلي [هَيْهَاتَ] فاعلاً.
وقيل هي اسم للبعد، أي فهي مصدر جامد وهو الذي اختاره الزجاج في تفسيره.
قال الراغب: وقال البعض: غلط الزجاج في تفسيره واستهواه اللام في قوله _تعالى_: [هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ].
وقيل: هيهات ظرف غير متصرف، وهو قول المبرد، ونسبه في لسان العرب إلى أبي علي الفارسي، قال: =قال ابن جني: كان أبو علي يقول في هيهات: أنا أفتي مرة بكونها اسماً سمي به الفعل مثل صه ومه، وأفتي مرة بكونها ظرفاً على قدر ما يحضرني في الحال+.
وفيها لغات كثيرة، وأفصحها أنها بهاءين وتاء مفتوحة فتحةَ بناءٍ، وأن تاءها تثبت في الوقف، وقيل: يوقف عليها هاءً، وأنها لا تنون تنوين تنكير.
وقد ورد ما بعد [هَيْهَاتَ] مجروراً باللام كما في هذه الآية، وورد مرفوعاً كما في قول جرير:
فهيهات هيهات العقيقُ وأهلُه وهيهات خلٌّ بالعقيق نحاوله
وورد مجروراً بـ:(من) في قول حميد الأرقط:
هيهات من مصبحها هيهات هيهات حجر من صنيبعات
فالذي يتضح في استعمال [هَيْهَاتَ] أن الأصل فيما بعدها أن يكون مرفوعاً على تأويل [هَيْهَاتَ] بمعنى فعل ماض من البعد كما في بيت جرير.
وأن الأفصح أن يكون ما بعدها مجروراً باللام؛ فيكون على الاستغناء عن فاعل اسم الفعل للعلم به مما يسبق [هَيْهَاتَ] من الكلام؛ لأنها لا تقع غالباً إلا بعد كلام، وتجعل اللام للتبيين، أي إيضاح المراد من الفاعل، فيحصل بذلك إجمال، ثم تفصيل يفيد تقوية الخبر.
وهذه اللام ترجع إلى لام التعليل، وإذا ورد ما بعدها مجروراً بـ:(من) فـ:(من) بمعنى (عن) أي بَعُدَ عنه، أو بُعْدَاً عنه.


الصفحة التالية
Icon