٥_ العناية بمقاصد الشريعة: فهو يؤكد كثيراً على إثبات أن هناك مقاصد للتشريع، وأن منها ما هو خاص، وما هو عام، وتراه يعنى بالمصالح العليا، والغايات الكبرى التي ينبني عليها التشريع؛ فتفسيره مليء بالإشارة إلى ذلك العلم.
ولا غرو في ذلك فهو إمام له باع طويل، ونظرات في ذلك العلم _علم المقاصد_ بل هو باعثه، ومجدده في العصر الحديث خصوصاً في كتابه العظيم (مقاصد الشريعة الإسلامية) الذي قال في مقدمته أنه قصد فيه: =خصوص البحث عن مقاصد الإسلام من التشريع في قوانين المعاملات، والآداب التي رأى أنها الجديرة بأن تُخصَّ باسم الشريعة، والتي هي مظهر ما راعاه الإسلام من تعاريف المصالح والمفاسد وترجيحاتها مما هو مظهر عظمة الشريعة الإسلامية بين بقية الشرائع، والقوانين، والسياسات الاجتماعية لحفظ نظام العالم، وإصلاح المجتمع+(١).
ولهذا تراه في تفسيره يُشير _أحياناً_ إلى كتابه المذكور عند التعرُّض لشيء من مقاصد الشريعة.
ومما يمر بقارئ التفسير من تلك المقاصد _زيادة على ما مضى_ تعرض المؤلف لتعليل الأحكام، والحديث عن سماحة الشريعة الإسلامية، وملاءمتها للفطرة، وعلى نوط الأحكام بمعان وأوصاف لا بأسماء وأشكال.
وتراه يتعرض للحرية من حيث معناها، ومداها، ومراتِبُها في نظر الشريعة، وتراه يُبدي ويُعيد حول مقصد الشريعة من نظام الأمة، وأن تكون قويةً مرهوبةَ الجناب، مطمئنة البال.
وتجده يُبيِّن أن من مقاصد الشريعة تعيينَ أنواع الحقوق لأنواع مستحقيها، ويوضح مقاصدَ أحكامِ العائلة، وآصرةَ النكاح، والنسب، والقرابة، ومقاصد التصرفات المالية، وأحكام التبرعات، والمقصد من العقوبات.
إلى غير ذلك مما سيأتي إشارة إليه في الفقرات التالية.
٦_ تلمس الحكم: فتراه يحرص على تلمس الحكم من الأحكام، والتشريعات، وأزمنتها، وأماكنها، وأعدادها.

(١) _ انظر مقاصد الشريعة الإسلامية، ص١٧٥.

على أنه يجوز أن تُؤَوَّل [هَيْهَاتَ] مرة بالفعل وهو الغالب، ومرة بالمصدر؛ فتكون اسم مصدر مبنياً جامداً غير مشتق، ويكون الإخبار بها كالإخبار بالمصدر، وهو الوجه الذي سلكه الزجاج في تفسير هذه الآية، ويشير كلام الزمخشري إلى اختياره. ١٨/٥٤_٥٥
٧_ [قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٨٦) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (٨٧)].
تكرير الأمر بالقول وإن كان المقول مختلفاً دون أن تعطف جملة [مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ] لأنها وقعت في سياق التعداد؛ فناسب أن يعاد الأمر بالقول دون الاستغناء بحرف العطف.
والمقصود وقوع هذه الأسئلة متتابعة؛ دفعاً لهم بالحجة، ولذلك لم تعد في السؤالين الثاني والثالث جملة [إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ] اكتفاءً بالافتتاح بها.
وقرأ الجمهور [سَيَقُوْلُوْنَ لله] بلام جارة لاسم الجلالة على أنه حكاية لجوابهم المتوقع بمعناه لا بلفظه؛ لأنهم لما سئلوا بـ[مَنْ] التي هي للاستفهام عن تعيين ذات المستفهم عنه كان مقتضى الاستعمال أن يكون الجواب بذكر اسم ذات المسؤول عنه؛ فكان العدول عن ذلك إلى الجواب عن كون السماوات السبع والعرش مملوكة لله عدولاً إلى جانب المعنى دون اللفظ؛ مراعاة لكون المستفهم عنه لوحظ بوصف الربوبيةِ، والربوبيةُ تقتضي الملك، ونظير هذا الاستعمال ما أنشده القرطبي وصاحب المطلع(١):
إذا قيل: مَنْ رَبُّ المزالف والقرى... وربُّ الجيادِ الجُرْدِ قلت: لخالد
ولم أقف على من سبقهما بذكر هذا البيت، ولعلهما أخذاه من تفسير الزجاج، ولم يعزواه إلى قائل، ولعل قائله حذا به حذو استعمال الآية.
(١) _ (المطلع) تفسير للقرآن اسمه (مطلع المعاني ومنبع المباني) لحسام الدين محمد بن عثمان العليا بادي السمرقندي كان حيّاً سنة ٦٢٨هـ.


الصفحة التالية
Icon