من أمثلة ذلك حديثه عن الحكمة من كون الأيام التي يجب على الحاج المتمتع صومها إذا لم يجد الهدي عشراً، وعن فائدة جعل بعضها في الحج.
قال × عند قوله _تعالى_: [فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ].
قال: =وقد سئلت عن حكمة كون الأيام عشرة فأجبت: بأنه لعله نشأ من جمع سبعة وثلاثة؛ لأنهما عددان مباركان، ولكن فائدة التوزيع ظاهرة، وحكمة كون التوزيع كان إلى عددين متفاوتين لا متساويين ظاهرة؛ لاختلاف حالة الاشتغال بالحج؛ ففيها مشقة، وحالة الاستقرار بالمنزل.
وفائدة جعل بعض الصوم في مدة الحج جعل بعض العبادة عند سببها، وفائدة التوزيع إلى ثلاثة وسبعة أن كليهما عدد مبارك ضبطت بمثله الأعمال دينية وقضائية+. ٢/٢٢٩
وكما في حديثه عن تقديم الأفئدة على الأبصار ٧/٤٤٣.
وحديثه عن حكمة تحريم الربا ٤/٨٦_٨٧.
وحديثه عن حكمة جعل التيمم عوضاً عن الطهارة بالماء ٥/٦٨_٦٩.
وحكمة الرخصة في أكل ذبائح أهل الكتاب ٦/١٢٠_١٢١.
٧_ العناية بالقواعد الأصولية: حيث جاء ذلك التفسير حافلاً بذكرها، وبيان حدودها، وما يندرج تحتها من أفراد بحسب ما يتيسر له مما يناسب المقام.
٨_ العناية بالمسائل النحوية، والصرفية: فالكتاب حافل بأوجه الأعاريب، واختلاف النحاة، وترجيح ما يراه المؤلف صواباً، والاستدراك على بعض المفسرين، والنحاة فيما فاتهم.
وقل مثل ذلك في شأن المسائل الصرفية، حيث يُعنى ببنية الكلمات التي يتعرض لها، ويحرص على ردها إلى أصولها، ويتطرق إلى الأوزان، والجموع وما جرى مجرى ذلك من المسائل الصرفية.
وأقول: إن الأجدر أن نبين وجه صوغ الآية بهذا الأسلوب؛ فأرى أن ذلك لقصد التعريض بأنهم يحترزون عن أن يقولوا: رب السماوات السبع الله؛ لأنهم أثبتوا مع الله أرباباً في السماوات؛ إذ عبدوا الملائكة، فهم عدلوا عما فيه نفي الربوبية عن معبوداتهم، واقتصروا على الإقرار بأن السماوات ملك لله؛ لأن ذلك لا يبطل أوهام شركهم من أصلها؛ ألا ترى أنهم يقولون في التلبية في الحج (لبيك لا شريك لك، إلا شريك هو لك، تملكه وما ملك).
ففي حكاية جوابهم بهذا اللفظ تَوَرُّك عليهم؛ ولذلك ذيل حكاية جوابهم بالإنكار عليهم انتفاء اتقائهم الله _تعالى_.
وقرأه أبو عمرو ويعقوب [سَيَقُولُونَ اللَّه] بدون لام الجر وهو كذلك في مصحف البصرة وبذلك كان اسم الجلالة مرفوعاً على أنه خبر [مَنْ] في قوله: [مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ] والمعنى واحد.
ولم يؤت مع هذا الاستفهام بشرط [إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ] ونحوه كما جاء في سابقه؛ لأن انفراد الله _تعالى_ بالربوية(١) في السماوات والعرش لا يشك فيه المشركون؛ لأنهم لم يزعموا إلهية أصنامهم في السماوات والعوالم العلوية.
وخص وعظهم عَقِبَ جوابهم بالحث على تقوى الله؛ لأنه لما تبين من الآية التي قبلها أنهم لا يسعهم إلا الاعتراف بأن الله مالك الأرض ومن فيها، وعقبت تلك الآية بحظهم على التذكر؛ ليظهر لهم أنهم عباد الله لا عباد الأصنام.
وتبين من هذه الآية أنه رب السماوات وهي أعظم من الأرض، وأنهم لا يسعهم إلا الاعتراف بذلك ناسب حثَّهم على تقواه؛ لأنه يستحق الطاعة له وحده، وأن يطيعوا رسوله؛ فإن التقوى تتضمن طاعة ما جاء به الرسول".
وحذف مفعول [تَتَّقُونَ] لتنزيل الفعل منزلة القاصر؛ لأنه دال على معنى خاص وهو التقوى الشاملة لامتثال المأمورات واجتناب المنهيات. ١٨/١٠٩_١١١

(١) _ هكذا في الأصل، والصواب: الربوبية. (م)


الصفحة التالية
Icon