+.
وقوله في ١/٢٧٤ بعد أن قرر مسألة العفو عن العصاة: =ولا عجب أعجب من مرور الأزمان على مثل قولة الخوارج، والإباضية، والمعتزلة، ولا ينبري من حذاق علمائهم من يهذب المراد، أو يؤول قول قدمائه ذلك التأويل المعتاد، وكأني بوميض فطنة نبهائهم أخذ يلوح من خلل الرماد(١)+.
٣٦_ إرجاع الأشياء إلى أصولها، وأسبابها الأولى: فإذا مر به عادة من العادات، أو خرافة من الخرافات، أو عمل يعد رمزاً لأمر من الأمور _ رجع إلى أصل ذلك، ومبدئه، وسببه.
ومن ذلك حديثه عن شجرة الزيتون _كما في سورة النور_ حيث تحدث عن أصل تلك الشجرة، وأنها معروفة قبل الطوفان، وتحدث عن أماكن نباتها.
٣٧_ لزوم العدل، وتحري الإنصاف: قال × في مقدمته ١/٧: =فجعلت حقاً عليَّ أن أبدي في تفسير القرآن نكتاً لم أرَ من سبقني إليها، وأن أقف موقف الحكم بين طوائف المفسرين تارةً لها وآونةً عليها+.
وقد صدق × في ذلك؛ فكان يلزم العدل، ويتحرى الإنصاف في مسائل الخلاف التي يوردها.
٣٨_ الحرص على الموازنة، والترجيح، والمناقشة الحرة: وهذه الفقرة قريبة من سابقتها؛ فهو يوازن، ويرجح، ويناقش بنزاهة وحرية بعيداً عن التعصب؛ فمع أنه مالكي المذهب إلا أنه قد يخالف المالكية، وقد ينتقد بعض علمائهم فيما يوردونه.
وتراه يورد كلاماً لأئمة اللغة وأساطين البلاغة، وعلماء التفسير كالزمخشري، والسكاكي، وابن عطية، فيوازن بين أقوالهم، ويناقشهم، وربما استدرك عليهم وخالفهم.
٣٩_ سمو العبارة، وهدوء النبرة، ولزوم الأدب: فلا ترى عنده تسفيهاً للخصوم، ولا رمياً بالتهم جزافاً، ولا تعنيفاً على المخالف.
بل تجد عنده العبارة المهذبة، والأدب العالي، والرفق بالمخالف.
٤٠_ الأمانة العلمية: وتتجلى هذه المزية في عزو النقول، والدقة في ذلك، وترك التزيُّد على المخالفين إلى غير ذلك.

(١) _ هذا تضمين لبيت من أبيات لنصر بن سيار يقول مطلعها:
أرى خلل الرماد وميض جَمْرٍ... ويوشك أن يكون لها ضرام... (م)

فالمشكاة يشبهها ما في الإرشاد الإلهي من انضباط اليقين، وإحاطة الدلالة بالمدلولات دون تردد ولا انثلام، وحفظ المصباح من الانطفاء مع ما يحيط بالقرآن من حفظه من الله بقوله: [إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ].
ومعاني هداية إرشاد الإسلام تشبه المصباح في التبصير والإيضاح، وتبيين الحقائق من ذلك الإرشاد.
وسلامته من أن يَطْرُقَه الشك واللبس، يشبه الزجاجة في تجلية حال ما تحتوي عليه كما قال: [وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ].
والوحي الذي أبلغ الله به حقائق الديانة من القرآن والسنة يشبه الشجرة المباركة التي تعطي ثمرة يستخرج منها دلائل الإرشاد.
وسماحة الإسلام، وانتفاء الحرج عنه يشبه توسط الشجرة بين طرفي الأفق؛ فهو وسط بين الشدة المحرجة وبين اللين المفرط.
ودوام ذلك الإرشاد وتجدده يشبه الإيقاد.
وتعليم النبي"أمته ببيان القرآن، وتشريع الأحكام يشبه الزيت الصافي الذي حصلت به البصيرة، وهو مع ذلك بين قريب التناول يكاد لا يحتاج إلى إلحاح المعلم.
وانتصاب النبي _عليه الصلاة والسلام_ للتعليم يشبه مَسَّ النار للسراج.
وهذا يومئ إلى استمرار هذا الإرشاد.
كما أن قوله: [مِنْ شَجَرَةٍ]: يومئ إلى الحاجة إلى اجتهاد علماء الدين في استخراج إرشاده على مرور الأزمنة، لأن استخراج الزيت من ثمر الشجرة يتوقف على اعتصار الثمرة وهو الاستنباط. ١٨/٢٤٣_٢٤٤
١٦_ وقد كان المسلمون واثقين بالأمن، ولكن الله قدم على وعدهم بالأمن أن وعدهم بالاستخلاف في الأرض، وتمكين الدين والشريعة فيهم؛ تنبيهاً لهم بأنَّ سنة الله أنه لا تأمن أمةٌ بأسَ غيرها حتى تكون قويةً مكينةً مهيمنةً على أصقاعها؛ ففي الوعد بالاستخلاف والتمكين وتبديل الخوف أمناً إيماءٌ إلى التهيؤ لتحصيل أسبابه، مع ضمان التوفيق لهم، والنجاح إن هم أخذوا في ذلك، وأن ملاك ذلك هو طاعة الله والرسول"[وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا].


الصفحة التالية
Icon