ومن أجلِّ تلك الشروح شروح مسعود سعد الدين التفتازاني ت ٧٩١هـ، وشروح السيد الجرجاني ت ٨١٦هـ، ثم تتابعت التقريرات، والحواشي توضح ما انبهم من تلك التراكيب المجملة، والعبارات الغامضة.
ومما يحسن التنبيه عليه أن أساليب التأليف في تلك العصور قد ملكت عليها العجمةُ أمرَها، ومن ثم لم يكن للقارئ أن يجعلها قدوة في أساليبها؛ فهي أحرى أن تكون أساليب اصطلاحية علمية لا لغوية أدبية، تشرح كلام العرب، وتبين مزاياه.
ثم أنشئت في العصر الحديث المدارسُ العالية والثانوية في مصر، فَأُلِّفَت المختصرات التي تناسب تلك البرامج المدرسية، ومن جملة ذلك ما أُلِّفَ في البلاغة، فهي _وإن اختلف ترتيبها، وتبويبها_ تنحو في الجملة منحى ما كتبه صاحب التلخيص وشراحه.(١)
ومن أهمها كتاب: بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة لعبدالمتعال الصعيدي.
ومن الكتب التي أُلِّفت فيها _ زيادة على ما ذكر آنفاً _ المثل السائر لابن الأثير، هذا في القديم.
أما في العصر الحديث فهناك كتب كثيرة منها: موجز البلاغة لابن عاشور، والبلاغة الواضحة لعلي الجارم، ومصطفى أمين، وهو كتاب سهل ميسور، وسلسلة (في البلاغة العربية) د. عبدالعزيز عتيق، والبلاغة تطور وتاريخ د. شوقي ضيف، ومعجم البلاغة د. بدوي طبانة، والبلاغة العربية د. بكري شيخ أمين.
مرَّ قبل قليل أن مسائل البلاغة تُسمى علم البيان، ثم استقر الأمر على يد السكاكي الذي ميَّز بعضها عن بعض تمييزاً تاماً، وجعل لكل مبحث منها علماً خاصاً؛ فكان من هذه علوم البلاغة الثلاثة السابقة _المعاني، والبيان، والبديع_.
ثم أتى مَنْ بَعْده؛ فكان عمدتَهم على هذا الترتيب.
وإليك فيما يلي نبذة عن تعريف البلاغة، وأقسامها الثلاثة، وبعض ما يدخل تحت هذه الأقسام من موضوعات، مع ملاحظة أنني سأقتصر على التعريفات الاصطلاحية فحسب دون تفصيل؛ إيثاراً للاختصار.

(١) _ انظر علوم البلاغة لأحمد مصطفى المراغي ص٩_١١.

وهؤلاء الجاهلون يومئذ هم المشركون؛ إذ كانوا يتعرضون للمسلمين بالأذى والشتم؛ فعلَّمهم الله متاركة السفهاء؛ فالجهل هنا ضد الحلم، وذلك أشهر إطلاقاته عند العرب قبل الإسلام، وذلك معلوم في كثير من الشعر والنثر. ١٩/٦٩
٩_ قال ابن عطية: وأريت في بعض التواريخ أن إبراهيم بن المهدي وكان من المائلين على علي بن أبي طالب ÷ قال يوماً بحضرة المأمون(١) وعنده جماعة: =كنت أرى علي بن أبي طالب في النوم، فكنت أقول له: من أنت؟ فكان يقول: علي بن أبي طالب، فكنت أجيء معه إلى قنطرة، فيذهب، فيتقدمني في عبورها، فكنت أقول: إنما تَدَّعي هذا الأمر بامرأة، ونحن أحق به منك، فما رأيت له في الجواب بلاغةً كما يذكر عنه.
قال المأمون: وبماذا جاوبك؟ قال: فكان يقول لي: سلاماً.
قال الراوي: فكأن إبراهيم بن المهدي لا يحفظ الآية، أو ذهبت عنه في ذلك الوقت، فنبه المأمون على الآية مَنْ حضره، وقال: هو والله يا عم علي بن أبي طالب، وقد جاوبك بأبلغ جواب؛ فخزي إبراهيم واستحيا+. ١٩/٦٩_٧٠
١٠_ [وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً (٦٥) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً (٦٦)].
دعاؤهم هذا أمارة على شدة مخافتهم الذنوب؛ فهم يسعون في مرضاة ربهم؛ لينجوا من العذاب، فالمراد بصرف العذاب: إنجاؤهم منه بتيسير العمل الصالح، وتوفيره، واجتناب السيئات. ١٩/٧٠
١_ اشتهرت عند السلف بسورة الشعراء؛ لأنها تفردت من بين سور القرآن بذكر كلمة الشعراء، وكذلك جاءت تسميتها في كتب السنة، وتسمى _أيضاً_ سورة طسم.
وفي أحكام ابن العربي أنها تسمى _أيضاً_ الجامعة، ونسبه ابن كثير والسيوطي في الإتقان إلى تفسير مالك المروي عنه(٢).
(١) _ لأن المأمون كان متشيعاً للعلويين.
(٢) _ تفسير مالك بن أنس، ذكره عياض في المدارك، وذكره الداودي في طبقات المفسرين.


الصفحة التالية
Icon