_ شرح مفردات تعريف المجاز: قوله: =في غير ما وضع له+: أي المعنى الوضعي للَّفظ، ويسمى الحقيقي أو الأصلي الذي ذكرته معاجم اللغة، كوضع كلمة الأسد للحيوان المعروف الكاسر، وكذلك القمر.
قوله: (لِعِلاقة): العلاقة هي الشيء الذي يربط بين المعنى الأصلي للفظ، والمعنى المجازي، كالشجاعة في قولك: رأيت أسداً يكرُّ بسيفه !
فالأسد هنا لا يقصد به الحيوان؛ وإنما يقصد به الرجل الشجاع، إذاً فقد انتقل من معناه الحقيقي إلى المعنى المجازي، والعلاقة هي الشجاعة.
قوله: (القرينة) القرينة: هي التي تمنع الذهن من أن ينصرف إلى المعنى الوضعي الأصلي للفظ، مثل قولك (يكر بسيفه) في قولك: (رأيت أسداً يكر بسيفه) لأن الأسد لا يكر بالسيف؛ فَعُلم أن المقصود باللفظ مجازه لا حقيقته؛ لأن الأسد لا يحمل السيف.
وكذلك قولك في الرجل الكريم: جاء البحر، ونحو ذلك من الأمثلة مما سيأتي ذكره.
_ تطبيق: إليك هذا التطبيق الذي يبين لك ما ذكر بصورة أجلى: قال أهل المدينة في استقبالهم للنبي"لما قدم من تبوك هو وأصحابه:
طلع البدرُ علينا... من ثَنِيَّات الوداع
فالمجاز في هذا البيت واقع في لفظ (البدر) حيث يريدون به النبي " وهذا استعمال مجازي؛ ذلك لأن الاستعمال الحقيقي للبدر إنما هو الكوكب العظيم الذي يكون في السماء ليلاً.
والعلاقة بين المعنيين الحقيقي والمجازي هي الحسن والإشراق؛ فالبدر حَسَنٌ مشرق، وكذلك النبي ".
والقرينة المانعة من إرادة المعنى الأصلي الحقيقي هي: (من ثنيات الوداع) فهي التي أثبتت مجازية البدر، والسبب أن البدر الحقيقي لا يظهر بين ثنيات الوداع وهي الجبال الصغيرة، وإنما يظهر في السماء كما هو معلوم؛ فعلم بذلك أن اللفظ أريد به مجازُه لا حقيقته.
_ أمثلة لألفاظ يتبين فيها الحقيقة من المجاز:
١_ الشمس لها دلالتان: إحداهما حقيقية وهي دلالة الكوكب العظيم المعروف.
والأخرى مجازية وهي: الوجه المليح.
وفي هذا إبداء للبون الشاسع بين حال الشعراء وحال النبي"الذي كان لا يقول إلا حقاً، ولا يصانع ولا يأتي بما يضلل الأفهام.
ومن اللطائف أن الفرزدق أنشد عند سليمان بن عبد الملك قوله:

فبتن بجانبيَّ مصرعات وبت أفض أغلاق الختام
فقال سليمان: قد وجب عليك الحد، فقال: يا أمير المؤمنين قد درأ الله عني الحد بقوله: [وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ].
وروي أن النعمان بن عدي بن نضلة كان عاملاً لعمر بن الخطاب فقال شعراً:
من مبلغ الحسناء أن حليلها بميسان يسقى في زجاج وحنتم(١)
إلى أن قال:
لعل أمير المؤمنين يسوءه تنادمنا بالجوسق(٢) المتهدم
فبلغ ذلك عمر، فأرسل إليه بالقدوم عليه وقال له: أي والله إني ليسوءني ذلك وقد وجب عليك الحد.
فقال: يا أمير المؤمنين ما فعلت شيئاً مما قلت، وإنما كان فضلة من القول وقد قال الله _تعالى_: [وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ].
فقال له عمر: =أما عذرك فقد درأ عنك الحد، ولكن لا تعمل لي عملاً أبداً وقد قُلْتَ ما قُلْتَ+. ١٩/١٠٩_٢١٠
١٠_ وقد كُني باتباع الغاوين إياهم عن كونهم غاوين، وأفيد بتفظيع تمثيلهم بالإبل الهائمة تشويه حالتهم، وأن ذلك من أجل الشعر كما يؤذن به إناطة الخبر بالمشتق، فاقتضى ذلك أن الشعر منظور إليه في الدين بعين الغض منه، واستثناء [إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ] الخ... من عموم الشعراء، أي من حكم ذمهم.
وبهذا الاستثناء تعين أن المذمومين هم شعراء المشركين الذين شغلهم الشعر عن سماع القرآن، والدخول في الإسلام.
(١) _ هكذا ورد البيت في الأصل، وكأن فيه نقصَ حرف في الشطر الأول؛ فيكون من بحر الكامل، ويكون الشطر الثاني من الطويل، ولعل الصواب (فمن مبلغ الحسناء....).
ويُروى البيت: ألا هل أتى الحسناء...
فيكون الشطران من بحر الطويل. (م)
(٢) _ الجوسق: القصر، كان أهل البطالة والخلاعة يأوون إلى القصور المتروكة.


الصفحة التالية
Icon