فهذا هو الذي دعا بعض العلماء أن يشدد في النكير على القائلين بالمجاز.
ويدخل تحت باب الحقيقة والمجاز مباحث عديدة تدور حول أقسام المجاز، وعلاقاته، والاستعارة، وأقسامها، وما جرى مجرى ذلك.
ج ــ الكناية: هي في اصطلاح أهل البلاغة: لفظ أطلق وأريد به لازم معناه مع جواز إرادة ذلك المعنى.
مثال ذلك قولهم: (فلان طويل النجاد) أي طويل القامة، مع جواز أن يراد حقيقةً طول النجاد _أيضاً_ فالنجاد حمائل السيف، وطول النجاد يستلزم طول القامة، فإذا قيل: فلان طويل النجاد فالمراد أنه طويل القامة؛ فقد استعمل اللفظ في لازم معناه.
ومثل: (فلانة نؤوم الضحى) أي مرفهة محترمة، ومثل: (فلان كثير الرماد) أي كريم، وهكذا...
ويدخل تحت باب الكناية أقسامها، والتعريض، والتلويح، والرمز، والإيحاء، والإشارة.
٤_ تعريف علم البديع: هو علمٌ يعرف به الوجوه، والمزايا التي تكسب الكلام حُسْناً، وقبولاً بعد رعاية المطابقة لمقتضى الحال(١).
وتنقسم المحسنات إلى قسمين:
أ_ محسنات معنوية: وهي التي يكون التحسين بها راجعاً إلى المعنى.
ب_ محسنات لفظية: وهي التي يكون التحسين بها راجعاً إلى اللفظ.
والمحسنات المعنوية كثيرةٌ، وأشهرها:
أ_ الطباق: وهو الجمع بين معنيين متقابلين؛ نحو: [وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ].
ب_ المقابلة: وهي أن يؤتى بمعنيين متوافقين، أو أكثر، ثم يؤتى بما يقابل ذلك على سبيل الترتيب، نحو قوله _تعالى_: [فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى].
ج_ مراعاة النظير: وهو أن يجمع في الكلام بين أمرين، أو أمورٍ متناسبةٍ لا بالتضاد، كقوله _تعالى_: [الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ].
ويعرف هذا النوع بالتناسب، والائتلاف.
وأمر حساناً بهجاء المشركين وقال له: =قل ومعك روح القدس+.
وقال لكعب بن مالك: =لَكَلامُك أشدُّ عليهم من وقع النبل+.
روى أبو بكر بن العربي في أحكام القرآن بسنده إلى خريم بن أوس بن حارثة أنه قال: هاجرت إلى رسول الله بالمدينة مُنْصَرَفَهُ من تبوك، فسمعت العباس قال: يا رسول الله إني أريد أن امتدحك، فقال: =قل لا يفضض الله فاك+.
فقال العباس:
من قبلها طبت في الظلال وفي | مستودع حيث يخصف الورق |
وروى الترمذي عن أنس أن النبي"دخل مكة في عمرة القضاء وعبدالله ابن رواحة يمشي بين يديه يقول:
خلوا بني الكفار عن سبيله | اليوم نضربكم على تنزيله |
ضرباً يزيل الهام عن مقيله | ويذهل الخليل عن خليله |
وعن الزهري أن كعب بن مالك قال: يا رسول الله ما تقول في الشعر؟
قال: =إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه، والذي نفسي بيده لكأنما تنضحونهم بالنبل+.
ولعلي بن أبي طالب شعر كثير، وكثير منه غير صحيح النسبة إليه.
وقد بين القرطبي في تفسيره في هذه السورة وفي سورة النور القول في التفرقة بين حالي الشعر، وكذلك الشيخ عبدالقاهر الجرجاني في أول كتاب دلائل الإعجاز.
ووجب أن يكون النظر في معاني الشعر وحال الشاعر، ولم يزل العلماء يعنون بشعر العرب ومن بعدهم، وفي ذلك الشعر تحبيب لفصاحة العربية وبلاغتها، وهو آيل إلى غرض شرعي من إدراك بلاغة القرآن. ١٩/٢١١_٢١٢
١_ أشهر أسمائها (سورة النمل) وكذلك سميت في صحيح البخاري، وجامع الترمذي.
وتسمى _أيضاً_ سورة سليمان، وهذان الاسمان اقتصر عليهما في الإتقان وغيره.
وذكر أبو بكر ابن العربي في أحكام القرآن أنها تسمى (سورة الهدهد).