د_ الإرصاد: وهو أن يجعل قبل آخر الفقرة، أو البيت ما يفهمها عند معرفة الروي، كقوله _تعالى_: [ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الْكَفُورَ].
هـ _ المشاكلة: وهي ذكر الشيء بلفظ غيره؛ لوقوعه في صحبته تحقيقاً، أو تقديراً.
فالأول كقوله _تعالى_: [وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا].
والثاني كقوله _تعالى_: [صِبْغَةَاللهِ].
و_ التورية: وهي أن يذكر المتكلم لفظاً له معنيان: أحدهما قريب، ودلالة اللفظ عليه ظاهرة، والآخر بعيد، ودلالة اللفظ عليه خفية، وهو المراد، ويورَّى عنه بالمعنى القريب، فيتوهم السامع لأول وهلة أنه يريده، وهي ليس بمراد.
مثل: قول أبي بكر ÷ وقد سئل عن النبي " حين الهجرة، فقيل له: من هذا؟ فقال: =هادٍ يهديني السبيل+.
وهناك محسنات معنوية أخرى، كالعكس، والرجوع، واللف والنشر، والجمع، والتفريق، والتقسيم، والتجريد، وحسن التعليل، والتفريع، وتجاهل العارف، وغيرها(١).
أما المحسنات اللفظية، فكثيرةٌ _أيضاً_ ومن أشهرها ما يلي:
أ_ الجناس أو التجنيس: وهو تشابه الكلمتين في اللفظ، مع اختلاف المعنى، وينقسم إلى قسمين:
تام: وهو ما اتفق فيه اللفظان في هيئة الحروف، وعددها، ونوعها، وترتيبها، كقوله _تعالى_: [وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ].
وغير تام: وهو ما اختلف فيه اللفظ في واحدٍ من الأربعة المتقدمة، كقوله _تعالى_: [وَالْتَفَّتْ السَّاقُ بِالسَّاقِ (٢٩) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ].
ب_ رد العجز على الصدر: وهو جعل أحد اللفظين المكررين، أو المتجانسين، أو ملحقين بهما اشتقاقاً، أو شبه اشتقاق في أول الفقرة والآخر في صدرها.
فالمكرران نحو: [وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ] والمتجانسان نحو: [اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً].

(١) _ انظر: علوم البلاغة ص ٣١٨ – ٣٥٣.

ووجه الأسماء الثلاثة أن لفظ النمل، ولفظ الهدهد لم يذكرا في سورة من القرآن غيرها، وأما تسميتها سورة سليمان فلأن ما ذكر فيها من ملك سليمان مفصلاً لم يذكر مثلُه في غيرها.
وهذه السورة مكية بالاتفاق كما حكاه ابن عطية، والقرطبي، والسيوطي، وغير واحد.
وذكر الخفاجي أن بعضهم ذهب إلى مكية بعض آياتها _كذا، ولعله سهوٌ صوابُه مدنية بعض آياتها_ ولم أقف على هذا لغير الخفاجي.
وهي السورة الثامنة والأربعون في عداد نزول السور، نزلت بعد الشعراء وقبل القصص، كذا روي عن ابن عباس وسعيد بن جبير.
وقد عدت آياتها في عدد أهل المدينة ومكة خمساً وتسعين، وعند أهل الشام والبصرة والكوفة أربعاً وتسعين. ١٩/٢١٥
٢_ أول أغراض هذه السورة افتتاحُها بما يشير إلى إعجاز القرآن ببلاغة نظمه، وعلوِّ معانيه بما يشير إليه الحرفانِ المقطعان في أولها.
والتنويهُ بشأنِ القرآن، وأنه هدىً لمن ييسر اللهُ الاهتداءَ به دون مَنْ جحدوا أنه من عند الله.
والتحدي بعلم ما فيه من أخبار الأنبياء.
والاعتبارُ بِمُلْكِ أعظمِ مُلْكٍ أوتيه نبيٌّ، وهو مُلْكُ داودَ، وملكُ سليمانَ _عليهما السلام_ وما بلغه مِنَ العلمِ بأحوال الطير، وما بلغ إليه ملكُه مِنْ عظمةِ الحضارة.
وأشهرُ أمةٍ في العرب أوتيت قوة، وهي أمةُ ثمودَ، والإشارةُ إلى مُلْكٍ عظيم من العرب وهو ملكُ سبأ.
وفي ذلك إيماء إلى أن نبوة محمد"رسالة تقارنها سياسةُ الأمةِ، ثم يعقبها ملكُ، وهو خلافَةُ النبيِّ".
وأن الشريعةَ المحمديةَ سيقامُ بها مُلْكٌ للأمة عتيدٌ كما أقيم لبني إسرائيل ملك سليمان.
ومحاجةُ المشركين في بطلان دينهم، وتزييفُ آلهتِهِمْ، وإبطالُ أخبارِ كهانهم وعرافيهم وسدنةِ آلهتهم، وإثباتُ البعثِ وما يتقدمه من أهوال القيامة وأشراطِها.


الصفحة التالية
Icon