ومن المحسنات اللفظية _أيضاً_ السجع، والموازنة، والقلب(١).
فهذه نبذةٌ يسيرة عن علم البلاغة.
وفي خاتمة الحديث عن منهج ابن عاشور في تفسيره، وعمَّا تضمنه من العلوم والمعارف _ تحسن الإشارة إلى أن هذا الكتاب يحتاج إلى مزيد عناية واهتمام؛ فعسى أن ينفر بعض المتخصصين لخدمة ذلك التفسير إما عبر رسائل علمية، أو جهود ذاتية؛ حتى تتم الفائدة المرجوة من الكتاب.
وقد لا يحتاج ذلك إلى كبير جهد بل يكفي في ذلك أن تُشرح بعض الألفاظ، أو المصطلحات التي تغلق العبارة، وينبهم معها المعنى ككثير من المصطلحات البلاغية، أو النحوية، أو الإشارات التاريخية، أو نحو ذلك.
كما أنه هناك بعض الأخطاء المطبعية الواضحة خصوصاً في طبعة دار سحنون، وهناك بعض الأخطاء في نسبة بعض الشواهد وذلك قليل.
كما أن بعض الأبيات الشعرية كُتبت كتابةً غير صحيحة كأن يُكتب البيت على أنه مدوَّر وهو ليس كذلك.
وقد سمعت من بعض طلبة العلم ممن زاروا أسرة الشيخ ابن عاشور قريباً، ونظروا في خزانة آل عاشور _ أن للشيخ × حواشيَ كثيرةً على تفسيره بعدما فرغ منه، وأنها موجودة عند أسرته في تونس.
ولا ريب أن تلك الحواشي ستكون خلاصة ما انتهى إليه، خاصة وأنه عاش بعد فراغه من التفسير مدة ثلاث عشرة سنة؛ فعسى الله أن يُقيِّض لذلك التفسير من يقوم على خدمته، ويبرزه في حلة قشيبة، ومعرض حسن.
ولعل من درسوا ابن عاشور من خلال رسائل علمية أو غيرها، ولم ينشروها_ أن يقوموا بنشرها؛ لتعم الفائدة، ويحصل الأجر _إن شاء الله_.
ثم إن في هذا التفسير مادة ضخمة من المعارف، والعلوم، والمباحث التي تفيد طلاب العلم، والدارسين ممن يبحثون عن موضوعات يكتبون فيها سواء كانت أكاديمية أو غيرها.
فمما يُقترح البحث فيه من خلال تفسير التحرير والتنوير موضوعات في علوم الشريعة، وفي اللغة، وفي الأدب، والمنطق، ونحو ذلك.

(١) _ انظر: علوم البلاغة ص ٣٥٤ – ٣٦٦.

وأن القرآنَ مهيمنٌ على الكتب السابقة، ثم موادعةُ المشركين، وإنباؤهم بأن شأنَ الرسولِ الاستمرارُ على إبلاغ القرآنِ، وإنذارِهم بأن آياتِ الصدق سيشاهدونها، والله مطلعٌ على أعمالهم. ١٩/٢١٥_٢١٦
٣_ وعِلْمُ منطقِ الطيرِ أوتيه سليمان من طريق الوحي بأن أطلعه الله على ما في تقاطيع وتخاليف صفير الطيور أو نعيقها من دلالة على ما في إدراكها، وإراداتها.
وفائدة هذا العلم أن الله جعله سبيلاً له يهتدي به إلى تعرف أحوال عالمية يسبق الطير إلى إدراكها بما أودع فيه من القوى الكثيرة.
وللطير دلالة في تخاطب أجناسها، واستدعاء أصنافها والإنباء بما حولها ما فيه عون على تدبير ملكه وسياسة أمته، مثل استخدام نوع الهدهد في إبلاغ الأخبار، وردها، ونحو ذلك.
ووراء ذلك كله انشراح الصدر بالحكمة والمعرفة للكثير من طبائع الموجودات وخصائصها، ودلالة أصوات الطير على ما في ضمائرها: بعضها مشهور كدلالة بعض أصواته على نداء الذكور لإناثها، ودلالة بعضها على اضطراب الخوف حين يمسكه ممسك أو يهاجمه كاسر، ووراء ذلك دلالات فيها تفصيل؛ فكل كيفية من تلك الدلالات الإجمالية تنطوي على تقاطيع خفية من كيفيات صوتية يخالف بعضها بعضاً فيها دلالات على أحوال فيها تفضيل(١) لما أجملته الأحوال المجملة؛ فتلك التقاطيع لا يهتدي إليها الناس، ولا يطلع عليها إلا خالقها.
وهذا قريب من دلالة مخارج الحروف وصفاتها في لغة من اللغات وفكها، وإدغامها، واختلاف حركاتها على معان لا يهتدي إليها من يعرف تلك اللغة معرفة ضعيفة، ولم يتقن دقائقها، مثل أن يسمع ضللت وظللت؛ فالله _تعالى_ اطلع سليمان بوحي على مختلف التقاطيع الصوتية التي في صفير الطير، وأعلمه بأحوال نفوس الطير عندما تصفر بتلك التقاطيع، وقد كان الناس في حيرة من ذلك كما قال المعري:
أَبَكَتْ تلكمُ الحمامةُ أم غنَّـ ـت على غُصْنِ دَوْحِها الميَّادِ
(١) _ هكذا في الأصل، ولعل الصواب: تفصيل. (م)


الصفحة التالية
Icon