وكان يقول لنا _أي الشيخ طاهر_ تجاوزوا عن سيئاتهم، وانتفعوا بحسناتهم.
وشيخنا هذا قضى عمره في السعي إلى الإصلاح والتجدد+.
٥_ أن المؤلف × يرى أن القرآن الكريم كتاب هدى وإصلاح، ومنبع علوم وآداب؛ فلا عجب _إذاً_ أن تجد في تفسيره تعرُّضاً لكثير من العلوم، والفنون، وشتى المعارف من صناعة، وطب، ونظريات في الفلك وغير ذلك من فروع الثقافة المختلفة التي قد يرى غيره أنها ليس من صميم عمل المفسر.
ولكن إذا علم منهجه زال العجب، وكان ذلك أدعى لقبول ما يورده؛ إذ هو ينطلق من القرآن الكريم إلى كلِّ ما مِنْ شأنِه رفعةُ الأمةِ في علومها، وشؤون حياتها الأولى والأخرى.
٦_ أن من أسباب دراسة سيرة الشيخ ابن عاشور وتفسيره التحرير والتنوير _ الرغبةَ في مزيد من الصلة بعلماء المغرب _بكافة دوله_ حيث إن بُعد المسافة، وقلة التواصل سبب للحرمان من الإفادة والتقارب.
وقد لمست شيئاً من ذلك من خلال كثير من الرسائل التي تصل عبر البريد العادي أو الإلكتروني؛ حيث وجدت الرغبة في مزيد من التواصل، بل والتعجب من أولئك في كوننا في بلادنا نعرف أو نُعنى بعلماء تلك البلاد كالشيخ ابن عاشور، والشيخ محمد الخضر حسين وهما من تونس، والشيخ محمد البشير الإبراهيمي من الجزائر _رحم الله الجميع_.
ولا ريب أن العلم رحمٌ بين أهله، ولئن بُسط العذر في الزمن الماضي لقلة وسائل الاتصال _ فهو الآن غير مبسوط؛ لتيسر الاتصال _ولله الحمد_.
فهذه بعض التنبيهات التي أحببت الإشارة إليها في بداية هذا الكتاب.
هو العلامة الشيخ محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور، ولد في ضاحية المرسى في تونس جمادى الأولى سنة ١٢٩٦هـ بقصر جده للأم الصدر الوزير محمد العزيز بو عتور.
وقد شب في أحضان أسرة علمية، ونشأ بين أحضان والد يأمل أن يكون على مثال جده في العلم والنبوغ والعبقرية، وفي رعاية جده لأمه الوزير الذي كان يحرص على أن يكون خليفة لهم في العلم والسلطان والجاه.
وللمجوسية شبه في الأصل بالإشراك إلا أنها تخالفه بمنع عبادة الأحجار، وبأن لها كتاباً، فأشبهوا بذلك أهل الكتاب؛ ولذلك قال النبي"فيهم: =سنوا بهم سنة أهل الكتاب+.
أي في الاكتفاء بأخذ الجزية منهم دون الإكراه على الإسلام كما يكره المشركون على الدخول في الإسلام. ١٧/٢٢٣_٢٢٤
٨_ والتفث: كلمة وقعت في القرآن، وتردد المفسرون في المراد منها، واضطرب علماء اللغة في معناها لعلهم لم يعثروا عليها في كلام العرب المحتج به.
قال الزجاج: إن أهل اللغة لا يعلمون التفث إلا من التفسير، أي من أقوال المفسرين، فعن ابن عمر وابن عباس: التفث: مناسك الحج وأفعاله كلها، قال ابن العربي: =لو صح عنهما لكان حجة الإحاطة باللغة+.
قلت: رواه الطبري عنهما بأسانيد مقبولة، ونسبه الجصاص إلى سعيد، وقال نفطويه وقطرب: التفث: هو الوسخ والدرن، ورواه ابن وهب عن مالك ابن أنس، واختاره أبو بكر بن العربي، وأنشد قطرب لأمية بن أبي الصلت:

حفوا رؤوسهم لم يحلقوا تفثاً ولم يسلوا لهم قملاً وصئبانا
ويحتمل أن البيت مصنوع؛ لأن أئمة اللغة قالوا: لم يجئ في معنى التفث شعر يحتج به.
قال نفطويه: سألت أعرابياً: ما معنى قوله: [ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ]، فقال: ما أفسر القرآن، ولكن نقول للرجل ما أتفثك، أي ما أدرنك.
وعن أبي عبيده: التفث: قص الأظفار، والأخذ من الشارب، وكل ما يحرم على المحرم، ومثله قوله عكرمة ومجاهد، وربما زاد مجاهد مع ذلك: رمي الجمار.
وعن صاحب العين والفراء والزجاج: التفث الرمي، والذبح، والحلق، وقص الأظفار والشارب وشعر الإبط.
وهو قول الحسن، ونسب إلى مالك بن أنس _أيضاً_.


الصفحة التالية
Icon