واعلم أن استمداد علم التفسير من هذه المواد لا ينافي كَوْنَه رأسَ العلومِ الإسلامية كما تقدم؛ لأن كونه رأس العلوم الإسلامية معناه أنه أصل لعلوم الإسلام على وجه الإجمال، فأما استمداده من بعض العلوم الإسلامية فذلك استمداد لقصد تفصيل التفسير على وجه أتم من الإجمال، وهو أصل لما استمد منه باختلاف الاعتبار. ١/٢٧
١_ ثم لو كان التفسير مقصوراً على بيان معاني مفردات القرآن من جهة العربية؛ لكان التفسير نزراً ونحن نشاهد كثرة أقوال السلف من الصحابة فمن يليهم في تفسير آيات القرآن، وما أكثر ذلك الاستنباط برأيهم وعلمهم. ١/٢٨
٢_ فمن يركب متن عمياء، ويخبط خبط عشواء فحق على أساطين العلم تقويم اعوجاجه، وتمييز حلوه من أجاجه، تحذيراً للمطالع، وتنزيلاً في البرج والطالع. ١/٣٧
١_ إن القرآن أنزله الله _تعالى_ كتاباً لصلاح أمر الناس كافة؛ رحمة لهم؛ لتبليغهم مراد الله منهم.
قال الله _تعالى_: [وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ].
فكان المقصد الأعلى منه صلاح الأحوال الفردية، والجماعية، والعمرانية.
فالصلاح الفردي يعتمد تهذيب النفس وتزكيتها، ورأس الأمر فيه صلاح الاعتقاد؛ لأن الاعتقاد مصدر الآداب والتفكير، ثم صلاح السريرة الخاصة، وهي العبادات الظاهرة كالصلاة، والباطنة كالتخلق بترك الحسد والحقد والكبر.
أما الصلاح الجماعي فيحصل أولاً من الصلاح الفردي؛ إذ الأفراد أجزاء المجتمع، ولا يصلح الكل إلا بصلاح أجزائه، ومن شيء زائد على ذلك وهو ضبط تصرف الناس بعضهم مع بعض على وجه يعصمهم من مزاحمة الشهوات، ومواثبة القوى النفسانية، وهذا هو علم المعاملات، ويعبر عنه عند الحكماء بالسياسة المدنية.
وكان هذا قتلُ خطأ صادف الوكزُ مقاتلَ القبطي، ولم يرد موسى قتله.
ووقع في سفر الخروج من التوراة في الإصحاح الثاني أن موسى لما رأى المصريَّ يضرب العبرانيَّ التفت هنا وهناك، ورأى أن ليس أحد فقتل المصري، وطمره في الرمل.
وجملة:[قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ]: مستأنفةٌ استئنافاً بيانياً كأن سائلاً سأل: ماذا كان من أمر موسى حين فوجئ بموت القبطي.
وحكاية ذلك للتنبيه على أن موسى لم يخطر بباله حينئذ إلا النظر في العاقبة الدينية، وقوله هو كلامه في نفسه.
والإشارة بهذا إلى الضربة الشديدة التي تسبب عليها الموت، أو إلى الموت المشاهد من ضربته، أو إلى الغضب الذي تسبب عليه موت القبطي.
والمعنى: أن الشيطان أوقد غضبه حتى بالغ في شدة الوكز، وإنما قال موسى ذلك؛ لأن قتل النفس مستقبح في الشرائع البشرية؛ فإن حفظ النفس المعصومة من أصول الأديان كلها، وكان موسى يعلم دين آبائه لعله بما تلقاه من أمه المرأة الصالحة في مدة رضاعه وفي مدة زيارته إياها.
وجملة:[إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ]: تعليل لكون شدة غضبه من عمل الشيطان؛ إذ لولا الخاطر الشيطاني لاقتصر على زجر القبطي، أو كفه عن الذي من شيعته؛ فلما كان الشيطان عدواً للإنسان وكانت له مسالك إلى النفوس استدل موسى بفعله المؤدي إلى قتل نفس أنه فعل ناشئ عن وسوسة الشيطان، ولولاها لكان عمله جارياً على الأحوال المأذونة.
وفي هذا دليل على أن الأصل في النفس الإنسانية هو الخير، وأنه الفطرة، وأن الانحراف عنها يحتاج إلى سبب غير فطري، وهو تخلل نزغ الشيطان في النفس. ٢٠/٨٩_٩٠
٩_ ولا التفات في هذا إلى جواز صدور الذنب من النبي؛ لأنه لم يكن يومئذ نبياً، ولا مسألة صدور الذنب من النبي قبل النبوة؛ لأن تلك مفروضة فيما تقرر حكمه من الذنوب بحسب شرع ذلك النبي أو شرع نبي هو متبعه مثل عيسى _عليه السلام_ قبل نبوءته، لوجود شريعة التوراة، وهو من أتباعها. ٢٠/٩١


الصفحة التالية
Icon