فأجاب: أما ما سألت عنه مما يقع في كتب المفسرين، والمعربين من تحسين بعض القراءات، واختيارها على بعض؛ لكونها أظهر من جهة الإعراب، وأصح في النقل، وأيسر في اللفظ _ فلا ينكر ذلك، كرواية ورش التي اختارها الشيوخ المتقدمون عندنا _أي بالأندلس_ فكان الإمام في الجامع لا يقرأ إلا بها؛ لما فيها من تسهيل النبرات، وترك تحقيقها في جميع المواضع، وقد تؤول ذلك فيما روي عن مالك من كراهية النبر في القرآن في الصلاة. ١/٦١_٦٢
٤_ تنبيه: أنا أقتصر في هذا التفسير على التعرض لاختلاف القراءات العشر المشهورة خاصة في أشهر روايات الراوين عن أصحابها؛ لأنها متواترة، وإن كانت القراءات السبع قد امتازت على بقية القراءات بالشهرة بين المسلمين في أقطار الإسلام.
وأبني أول التفسير على قراءة نافع برواية عيسى بن مينا المدني الملقب بقالون؛ لأنها القراءة المدنية إماماً وراوياً، ولأنها التي يقرأ بها معظم أهل تونس، ثم أذكر خلاف بقية القراء العشرة خاصة.
والقراءات التي يقرأ بها اليوم في بلاد الإسلام من هذه القراءات العشر، هي قراءة نافع برواية قالون في بعض القطر التونسي، وبعض القطر المصري، وفي ليبيا، وبرواية ورش في بعض القطر التونسي، وبعض القطر المصري، وفي جميع القطر الجزائري، وجميع المغرب الأقصى، وما يتبعه من البلاد والسودان.
وقراءة عاصم برواية حفص عنه في جميع الشرق من العراق، والشام، وغالب البلاد المصرية، والهند، وباكستان، وتركيا، والأفغان.
وبلغني أن قراءة أبي عمرو البصري يقرأ بها في السودان المجاور مصر. ١/٦٣
١_ امتن الله على رسوله"بقوله: [نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الْغَافِلِينَ].
والخصلة السادسة: الكلام الفصل، وهو قولهم: [لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ].
وهذا من أحسن ما يجاب السفهاء، وهو أقرب لإصلاحهم، وأسلم من تزايد سفههم.
ولقد أنطقهم الله بحكمة جعلها مستأهلة لأن تنظم في سلك الإعجاز؛ فألهمهم تلك الكلمات، ثم شَرَّفها بأن حكيت في نسج القرآن، كما ألهم عمر قوله: [عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ] الآية.
ومعنى: [لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ] أن أعمالنا مستحقة لنا، كناية عن ملازمتهم إياها.
وأما قولهم: [وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ] فهو تتميم على حد [لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ].
والمقصود من السلام: أنه سلام المتاركة المُكَنَّى بها عن الموادعة أن لا نعود لمخاطبتكم، قال الحسن: كلمة: السلام عليكم، تحية بين المؤمنين، وعلامة الاحتمال من الجاهلين.
ولعل القرآن غَيَّر مقالتهم بالتقديم والتأخير؛ لتكون مشتملة على الخصوصية المناسبة للإعجاز؛ لأن تأخير الكلام الذي فيه المتاركة إلى آخر الخطاب أولى؛ ليكون فيه براعة المقطع.
وحذف القرآن قولهم: لم نأل أنفسنا رشداً؛ للاستغناء عنه بقولهم: [لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ].
السابعة: ما أفصح عنه قولهم: [لاَ نَبْتَغِيْ الجَاهِلِيْنَ] من أن ذلك خلقهم أنهم يتطلبون العلم ومكارم الأخلاق.
والجملة تعليل للمتاركة، أي لأنَّا لا نحب مخالطةَ أهل الجهالة بالله، وبدين الحق وأهلِ خُلُقِ الجهل الذي هو ضد الحلم؛ فاستعمل الجهل في معنييه المشترك فيها، ولعله تعريض بكنية أبي جهل الذي بَذَا عليهم بلسانه.
والظاهر أن هذه الكلمة يقولونها بين أنفسهم، ولم يجهروا بها لأبي جهل وأصحابه بقرينة قوله: [وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ] وقوله: [سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ] وبذلك يكون القول المحكي قولين: قول وجهوه لأبي جهل وصحبه، وقول دار بين أهل الوفد. ٢٠/١٤٤_١٤٦