فكثيرٌ مما طُبع منها قد تطاول عليه العهد ونفد من المكتبات، ولم يجد من أهل العزم من المحققين والناشرين من يتولَّى نفضَ الغبار عنه، وإخراجه للناس إخراجاً جديداً.
أما ما لَمْ يُطبع _وهو غزير_ فلا يزال طيَّ النسيان يقبع مخطوطاً على رفوف المكتبة العاشورية بالمرسى في تونس، ويتراكم عليه غبارُ السنين، وتتهدده آفاتُها بالإتلاف، وكأنما تواطأت صروفُ الزمان، وإهمال الإنسان أو تدبيرُه على تغييب مَعْلَمٍ مهم من معالِم الحياة الفكرية والعلمية للمسلمين في القرن العشرين!
فالرجل =لم يلق حظه+ كما قال بحق المرحوم الشيخ محمد الغزالي.
إن ابن عاشور ليس اسماً عاديّاً في محيط الثقافة الإسلامية، بل إن اسمه وجهاده قد ارتبطا ارتباطاً وثيقاً بواحدة من أهم مؤسسات هذه الثقافة وبرمز من أبرز رموزها في النصف الأول من القرن العشرين، ألا وهي جامعة الزيتونة.
وهو _بدون شك_ آخر العمالقة الذين عرفهم التاريخ المديد لهذه المؤسسة العريقة، قبل أن يتم الإجهازُ عليها، وطمسُها في ظل عهود الاستقلال الموهوم، والتحديث المزيف.
لقد عَرَفَتِ الزيتونةُ محمداً الطاهر ابن عاشور طالباً نابهاً متميزاً في تحصيله العلمي، وخَبَرتْهُ أَرْوِقتُها مدرِّساً متحمساً مقتدراً، وَعِهدَه طلابُها وأساتيذُها داعيةً لإصلاح التعليم الزيتوني، وحاملاً للوائه، وعاملاً في سبيله من مواقع مختلفة، كما عرفت تونس ابن عاشور شيخاً لجامعها الأعظم _الزيتونة_ وخبرته قاضياً ومفتياً يتوخَّى تحقيقَ العدل والالتزام بالحق في أقضيته وفتاويه مهما كان في ذلك من معارضة لرغبات المتقاضين، أو مناقضة لأهواء المستفتين+.(١)
هذا وقد تولى مناصب علمية وإدارية بارزة كالتدريس، والقضاء، والإفتاء، وعضويات المجامع العلمية، وغيرها.

(١) _ المرجع السابق ص١٧_١٩.

١٣_ والصوامع: جمع صومعة بوزن فَوْعلة، وهي بناء مستطيل مرتفع يصعد إليه بدرج وبأعلاه بيت، كان الرهبان يتخذونه للعبادة؛ ليكونوا بعداء عن مشاغلة الناس إياهم، وكانوا يوقدون به مصابيح للإعانة على السهر للعبادة؛ ولإضاءة الطريق للمارين؛ من أجل ذلك سميت الصومعة المنارة، قال امرؤ القيس:
تضيءُ الظلامَ بالعشي كأنها منارة مُمْسى راهبٍ متبتل
والبِيَعُ: جمع بِيْعة _ بكسر الباء وسكون التحتية _ مكان عبادة النصارى، ولا يعرف أصل اشتقاقها، ولعلها معربة عن لغة أخرى.
والصلوات: جمع صلاة وهي هنا مراد بها كنائسُ اليهود معربة عن كلمة (صلوثا) _بالمثلثة في آخره بعدها ألف_ فلما عربت جعلوا مكان المثلثة مثناة فوقية وجمعوها كذلك.
وعن مجاهد، والجحدري، وأبي العالية، وأبي رجاء أنهم قرأوها هنا [وَصَلَوَاث] بمثلثة في آخره.
وقال ابن عطيه: قرأ عكرمة، ومجاهد [صلويثا] _بكسر الصاد وسكون اللام وكسر الواو وقصر الألف بعد الثاء_ (أي المثلثة كما قال القرطبي).
وهذه المادة قد فاتت أهل اللغة، وهي غفلة عجيبة.
والمساجد: اسم لمحل السجود من كل موضع عبادة ليس من الأنواع الثلاثة المذكورة قبله وقت نزول هذه الآية؛ فتكون الآية نزلت في ابتداء هجرة المسلمين إلى المدينة حين بنوا مسجد قباء، ومسجد المدينة. ١٧/٢٧٧_٢٧٨
١٤_ والمراد بالمعروف: ما هو مقرر من شؤون الدين: إما بكونه معروفاً للأمة كلها: وهو ما يعلم من الدين بالضرورة فيستوي في العلم بكونه من الدين سائر الأمة، وإما بكونه معروفاً لطائفة منهم وهو دقائق الأحكام، فيأمر به الذين من شأنهم أن يعلموه وهم العلماء على تفوت مراتب العلم ومرتب(١) علمائه.
(١) _ هكذا في الأصل، ولعل الصواب: ومراتب. (م)


الصفحة التالية
Icon