وهذا من آيات القرآن وأكبر براهينه، أنه لا يمكن أن يحدث علم صحيح ينقض شيئاً منه، فإنه يرد بما تشهد به العقول جملة وتفصيلاً، أو يرد بما لا تهتدي إليه العقول.
وأما وروده بما تحيله العقول الصحيحة وتمنعه فهذا محال، والحس والتجربة شاهدان بذلك، فإنه مهما توسعت الاختراعات وعظمت الصناعات، وتبحرت المعارف الطبيعية، وظهر للناس فى هذه الأوقات ما كانوا يجهلونه قبل ذلك، فإن القرآن ـ ولله الحمد ـ لا يخبر بإحالته، بل نجد بعض الآيات فيها إجمال أو إرشادات تدل عليه.
وقد ذكرنا شيئاً من ذلك في غير هذا الموضع. والله أعلم وأحكم وبالله التوفيق.
القاعدة الثانية عشرة
الآيات القرآنية التي يفهم منها قصَّار النظر التعارض:
يجب حمل كل نوع منها على ما يليق ويناسب المقام
كل بحسبه
وهذا في مواضع متعددة من القرآن:
منها: الإخبار في بعض الآيات أن الكفار لا ينطقون، ولا يتكلمون يوم القيامة، وفي بعضها: أنهم ينطقون ويحاجُّون ويعتذرون ويعترفون: فمحمل كلامهم ونطقهم: أنهم في أول الأمر يتكلمون ويعتذرون، وقد ينكرون ما هم عليه من الكفر، ويقسمون على ذلك، ثم إذا ختم على ألسنتهم وأفواههم، وشهدت عليهم جوارحُهم بما كانوا يكسبون، ورأوا أن الكذب غير مفيد لهم أُخْرِسوا فلم ينطقوا.
وكذلك الإخبار بأن الله تعالى لا يكلمهم، ولا ينظر إليهم يوم القيامة، مع أنه أثبت الكلام لهم معه، فالنفي واقع على الكلام الذي يسرهم، ويجعل لهم نوع اعتبار.
وكذلك النظر والإثبات واقع على الكلام الواقع بين الله وبينهم على وجه التوبيخ لهم والتقريع، فالنفي يدل على أن الله ساخط عليهم، غير راض عنهم، والإثبات يوضح أحوالهم، ويبين للعباد كمال عدل الله فيهم، إذ هو يضع العقوبة موضعها.


الصفحة التالية
Icon