فهذه الآيات العامات من الطرفين، قد وضحها الله غاية التوضيح في قوله ﴿ لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الممتحنة: ٨، ٩]
فالنهي واقع على التولي والمحبة لأجل الدين، والأمر بالإحسان والبر واقع على الإحسان لأجل القرابة أو لأجل الجيرة أو الإنسانية على وجه لا يُخل بدين الإنسان.
ومن ذلك: أنه أخبر في بعض الآيات أن الله خلق الأرض ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات، وفي بعضها أنه لما أخبر عن خلق السماوات أخبر أن الأرض بعد ذلك دحاها.
فهذه الآية تفسر المراد، وأن خلق الأرض متقدم على خلق السماوات، ثم لما خلق الله السماوات بعد ذلك دحا الأرض، فأودع فيها مصالحها المحتاج إليها سكانها.
ومن ذلك: أنه تارة يخبر أنه بكل شيء عليم، وتارة يخبر بتعلق علمه ببعض أعمال العباد وببعض أحوالهم، وهذا الأخير فيه زيادة معنى، وهو يدل على المجازاة على ذلك العمل، سواء كان خيراً أو شراً، فيتضمن مع إحاطة علمه الترغيب والترهيب.
ومن ذلك: الأمر بالجهاد في آيات كثيرة، وفي بعض الآيات الأمر بكف الأيدي، والإخلاد إلى السكون، فهذه حين كان المسلمون ليس لهم قوة، ولا قدرة على الجهاد باليد، والآيات الأخرى حين قووا وصار ذلك عين المصلحة ؛ والطريق إلى قمع الأعداء.