وكذلك [ الفقير والمسكين ] إذا أُفرد أحدهما دخل فيه الآخر كما في أكثر الآيات، وإذا جمع بينهما كما في آية الصدقات وهي قوله: ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ﴾ [التوبة: ٦٠] فسٍّر الفقير بمن اشتدت حاجته وكان لا يجد شيئاً، أو من يجد شيئاً لا يقع منه موقعاً، وفسر [ المسكين ] بمن حاجته دون ذلك.
ومثل ذلك الألفاظ الدالة على تلاوة الكتاب والتمسك به وهو اتباعه، ويشمل ذلك: القيامَ بالدين كله، فإذا قُرِنت معه الصلاة كما في قوله تعالى: ﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ ﴾ [العنكبوت: ٤٥] وقوله ﴿ وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ ﴾ [الأعراف: ١٧٠] كان ذكر الصلاة تعظيماً لها وتأكيداً لشأنها، وحثاً عليها، وإلا فهي داخلة في الاسم العام وهو التلاوة والتمسك به وما أشبه ذلك من الأسماء.
القاعدة الثامنة عشرة
إطلاق الهداية والإضلال وتقييدها
في كثير من الآيات يخبر الله بأنه يهدي من يشاء، ويضل من يشاء، وفي بعضها يذكر مع ذلك الأسباب المتعلقة بالعبد، الموجبة للهداية أو الموجبة للإضلال، وكذلك حصول المغفرة وضدها، وبسط الرزق وتقديره، وذلك في آيات كثيرة، فحيث أخبر أنه يهدي من يشاء ويضل من يشاء، ويغفر لمن يشاء، ويعذب من يشاء، ويرحم من يشاء، ويبسط الرزق لمن يشاء ويقدره على من يشاء.
يدل ذلك على كمال توحيده وانفراده بخلق الأشياء، وتدبير جميع الأمور، وأن خزائن الأشياء كلها بيده، يعطي ويمنع ويخفض ويرفع، فيقتضي مع ذلك من العباد أن يعترفوا بذلك، وأن يعلقوا أملهم ورجاءهم به وحده في حصول كل ما يحبون منها، ودفع كل ما يكرهون، وأن لا يسألوا أحداً غيره، كما في الحديث القدسي: ( يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم ) إلى آخره (١).

(١) - أخرجه مسلم: ٢٥٧٧ عن أبي ذر.


الصفحة التالية
Icon