ج ١١، ص : ٦٤
وحده ولا تشركوا به شيئا ولا تشركوا معه أحدا لا فى شفاعة ولا غيرها، فالشفعاء لا يملكون لكم من دونه نفعا ولا ضرا، بل هو الذي يملك ذلك وحده وهو قد هداكم إلى أسباب النفع والضر الكسبية بالعقول والمشاعر التي سخرها لكم، وإلى أسباب النفع والضر الغيبية بوحيه، فلا تطلبوا نفعا ولا ضرا إلا بالأسباب التي سخرها لكم، وما تعجزون عنه أو تجهلون أسبابه، فادعوه فيه تعالى وحده يحصل لكم ما فيه ترغبون، أو يدفع عنكم ما تكرهون.
(أَفَلا تَذَكَّرُونَ) أي أ تجهلون هذا الحق الواضح فلا تتذكرون أن الذي خلق السموات والأرض، وانفرد بتدبير هذا العالم هو الذي يجب أن يعبد ولا يعبد سواه، وذلك هو مقتضى الفطرة، والإعراض عنه غفلة يجب التنبيه إليها.
وفى ذلك إيماء إلى أنه لا ينبغى أن نوجه وجوهنا شطر قبور الأولياء والصالحين ونشد الرحال إلى من بعد منهم ونتقرب إليهم بالنذور ونطوف بهم كما يطوف الحاج بيت اللّه الحرام، داعين متضرعين خاشعين نطلب منهم ما عجزنا عنه بكسبنا من دفع ضر أو جلب نفع، وكيف نتذكر هذه الآيات وأمثالها التي تجعل العبادة خاصة به تعالى وما الدعاء إلا مخ العبادة وروحها وأجلى مظاهرها كما جاء فى الأثر « الدعاء مخ العبادة ».
ولكن أكثر العلماء وجمهرة الناس يتأولون هذه العبادة ويسمونها توسلا واستشفاعا، والأسماء لا تغير من قيمة الحقائق شيئا، فذلك بعينه هو ما كان يدّعيه المشركون وأهل الكتاب « ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى ».
(إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) أي إلى ربكم وحده دون غيره من معبوداتكم وشفعائكم وأوليائكم ترجعون جميعا بعد الموت وفناء هذا العالم الذي أنتم فيه لا يتخلف منكم أحد.
(وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا) أي وعد اللّه ذلك وعدا حقا لا خلف فيه.
(إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) أي إن شأنه تعالى أن يبدأ الخلق وينشئه حين التكوين، ثم يعيده فى نشأة أخرى بعد انحلاله وفنائه.