ج ١٤، ص : ١٦٢
ولما أمر اللّه رسوله بالدعوة وبين طريقها وكانت تلك الدعوة تتضمن أمرهم بالرجوع عن دين آبائهم وأسلافهم والحكم عليهم بالكفر والضلالة، وذلك مما يحمل أكثرهم على إيذاء الداعي إما بقتله أو بضر به أو بشتمه، كما أن الداعي يدعوه طبعه إلى تأديب أولئك السفهاء تارة بالقتل وأخرى بالضرب، لا جرم أمر سبحانه المحقين برعاية العدل والإنصاف فى العقاب وترك الزيادة فيه فقال :
(وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) أي وإن عاقبتم أيها المؤمنون من ظلمكم فلكم فى العقاب إحدى طريقين :
(١) أن تعاقبوه بمثل الذي نالكم به ظالمكم من العقوبة.
(٢) أن تصبروا وتتجاوزوا عما صدر منه من الذنب، وتصفحوا عنه، وتحتسبوا عند اللّه ما نالكم به من الظلم، وتكلوا أمركم إليه، واللّه يتولى عقوبته، والصبر خير للصابرين من الانتقام، لأن اللّه ينتقم من الظالم بأشد مما كان ينتقم منه لنفسه.
والخلاصة - إنكم إن رغبتم فى القصاص فاقنعوا بالمثل ولا تزيدوا عليه، فإن الزيادة ظلم، والظلم لا يحبه اللّه ولا يرضى به، وإن تجاوزتم عن العقوبة وصفحتم فذلك خير وأبقى، واللّه هو الذي يتولى عقاب الظالم ويأخذ بناصر المظلوم.
ثم أمر رسوله بالصبر صراحة بعد أن ندب إليه غيره تعريضا، لأنه أولى الناس بعزائم الأمور، لزيادة علمه بشئونه تعلى فقال :
(وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ) أي واصبر على ما أصابك منهم من أذى فى اللّه، ومن إعراض عن الدعوة، وما صبرك إن صبرت إلا بمعونة اللّه وحسن توفيقه، ومشيئته المبنية على الحكم البالغة التي تنتهى إلى عواقب حميدة.
وفى هذا تسلية للنبى صلى اللّه عليه وسلّم وتهوين لمشاقّ الصبر عليه وتشريف له بما لا مزيد عليه.
(وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) أي ولا تحزن على إعراض المشركين الذين يكذّبونك وينكرون ما جئتهم به.