ج ١٥، ص : ١٤٢
طاعته، فإن أنت لم تتبعه ولم تأتمّ به، فنالك وعيد اللّه الذي أوعد به المخالفين حدوده - فلن تجد موئلا من دونه، ولا ملجأ تلجأ إليه، إذ قدرة اللّه محيطة بك وبجميع خلقه، لا يقدر أحد على الهرب من أمر أراده به.
(وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) أي احبس نفسك وثبّتها مع فقراء الصحابة كعمار بن ياسر وصهيب وبلال وابن مسعود وأضرابهم ممن يدعون ربهم بالغداة والعشى بالتسبيح وصالح الأعمال ابتغاء مرضاة اللّه، لا يريدون عرضا من أعراض الدنيا ولا شيئا من لذاتها ونعيمها.
روى « أن عيينة بن حصن الفزاري أنى النبي صلى اللّه عليه وسلّم قبل أن يسلم وعنده جماعة من فقراء أصحابه، فيهم سامان الفارسي وعليه شملة قد عرق فيها، وبيده خوص يشقّه ثم ينسجه، فقال له : أما يؤذيك ريح هؤلاء ونحن سادات مضر وأشرافها، فإن أسلمنا أسلم الناس، وما يمنعنا من اتباعك إلا هؤلاء، فنحّهم حتى نتّبعك، أو اجعل لهم مجلسا، ولنا مجلسا، فنزلت الآية ».
وعن أبى سعيد وأبى هريرة قالا :« جاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم ورجل يقرأ سورة الحجر أو سورة الكهف فسكت، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم :
هذا المجلس الذي أمرت أن أصبر نفسى معهم »
.
ونحو الآية قوله :« وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ».
ومقال هؤلاء شبيه بمقالة قوم نوح :« أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ » :
ثم أمره سبحانه بمراقبة أحوالهم فقال :
(وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا) أي لا تصرف بصرك ونفسك عنهم، رغبة فى مجالسة الأغنياء لعلهم يؤمنون.
وخلاصة ذلك - النهى عن احتقارهم، وصرف النظر عنهم إلى غيرهم، لسوء


الصفحة التالية
Icon