ج ١٦، ص : ١٦٤
لهم لتكون ابتلاء واختبارا، وما عند اللّه خير منها وأبقى، ثم طلب إليه أن يأمر أهله بالصلاة ويصطبر عليها، وهو لا يكلفه رزقا لنفسه ولا لغيره، فاللّه يرزقه من واسع فضله، وعظيم عطائه، والعاقبة لمن اتقى :« فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض ».
الإيضاح
(أ فلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون فى مساكنهم ؟ ) أي أ فلم يرشدهم إلى وجه العبر، إهلاكنا كثيرا من الأمم الماضية، والقرون الغابرة، التي يمرون عليها مصبحين وبالليل كعاد وثمود الذين يشاهدون آثارهم العظيمة الدالة على ما كانوا عليه من النعيم ثم ما حلّ بهم من صنوف البلاء، فيتعظوا ويعتبروا ويؤمنوا باللّه ورسوله خوف أن يصيبهم بكفرهم مثل ما أصاب هؤلاء السابقين.
وللمشاهدة من العبرة ما ليس لغيرها فقد قالوا « ليس الخبر كالخبر » وقالوا :
« ما راء كمن سمع ».
وخلاصة ذلك - إن فى مشاهدة ما حصل للأمم الماضية، ورؤية آثارها البائدة التي يمرون عليها فى رحلاتهم فى الصيف لعبرة وزاجرا لهم لو كانوا يعقلون.
ثم علل هذا الزجر والإنكار بقوله :
(إن فى ذلك لآيات لأولى النهى) أي إن فيما يعاين هؤلاء ويرون من آثار وقائعنا بالأمم المكذبة لرسلنا وحلول المثلات بهم لكفرهم بربهم - لعبرا وعظات لأرباب الحجا الدين ينهاهم دينهم، ويؤنّهم عقلهم، من مواقعة ما يضرهم.
ولما هدد المشركين بالهلاك كهلاك المكذبين من الماضين، ذكر سبب تأخير ذلك عنهم فقال :
(ولو لا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى) أي ولو لا الكلمة النافذة التي سبقت منا فى الأزل، وهى أن أمة محمد - وإن كذبوا - سيؤخر عذابهم