ج ١٦، ص : ٤١
وبين القصصين مناسبة ظاهرة، ومن ثم ذكرهما مقترنين فى سورة آل عمران وهنا وفى الأنبياء، وبدأ بقصة يحيى لأن خلق الولد من شخصين فانيين أقرب إلى مناهج العادات من خلق الولد بلا أب، ثم ثنّى بقصة عيسى لأنها أغرب من تلك.
ومن حسن طرق التعليم والتفهيم التدرج بالانتقال من الأقرب منالا إلى أصعب منه، وهكذا صعدا.
الإيضاح
(واذكر فى الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا)
أي واتل أيها الرسول فى كتاب اللّه الذي أنزله إليك بالحق، قصص مريم بنة عمران حين اعتزلت من أهلها وانفردت عنهم إلى مكان شرقى بيت المقدس لتتخلى للعبادة.
وعن ابن عباس أنه قال : إنى لأعلم خلق اللّه لأى شىء اتخذ النصارى المشرق قبلة، لقول اللّه عز وجل :« إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا »
فاتخذوا ميلاد عيسى عليه السلام قبلة ؟.
(فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا)
أي فاتخذت من دون أهلها سترا يسترها عنهم وعن الناس، فأرسلنا إليها جبريل عليه السلام فجاءها بصورة رجل معتدل الخلق ليعلمها بما يريد بها من الكرامة بولادة عيسى عليه السلام من غير أب، إذ ربما يشتبه عليها الأمر فتقتل نفسها أسى وغما، وإنما مثّل لها بهذا المثال، لتأنس بكلامه، وتتلقى منه ما يلقى إليها من كلماته، ولأنّه لو بدا لها على الصورة الملكية لنفرت منه ولم تستطع محاورته.
ثم حكى عنها سبحانه ما قالته حينئذ فقال :
(قالت إنى أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا)
أي فلما رأته فزعت منه وقالت :