ج ١٦، ص : ٤٢
إنى أستجير بالرحمن منك أن تنال منى ما حرّم اللّه عليك إن كنت ذا تقوى له، تتقى محارمه، وتجتنب معاصيه، فمن يتق اللّه يجتنب ذلك.
وإجمال المعنى - إنه لما تبدى لها فى صورة البشر وهى فى مكان منفرد، وبينها وبين قومها حجاب خافته وظنت أنه يريدها على نفسها فقالت : إنى أعوذ باللّه منك إن كنت تخافه - وقد فعلت المشروع فى الدفع وهو أن يكون بالهوينى والأسهل فالأسهل.
وخلاصة ذلك - إن الاستعاذة لا تؤثر إلا فى التقى، لأن اللّه تعالى يخشى فى حال، دون حال، فهو كقوله :« وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين » أي إن الإيمان يوجب ذلك.
فلما علم جبريل خوفها :
(قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا)
أي فقال الملك مجيبا لها ومزيلا لما حصل عندها من الخوف على نفسها : لست ممن تظنين، ولا يقع منى ما تتوهمين من الشر، ولكنى رسول ربك بعثني إليك، لأهب لك غلاما طاهرا مبرّأ من العيوب، وقد أضاف الهبة إلى نفسه من قبل أنها جرت على يده بأن نفخ فى جيبها بأمر اللّه.
ولما عجبت مريم مما سمعت :
(قالت أنى يكون لى غلام ولم يمسسنى بشر ولم أك بغيا) أي قالت لجبريل :
من أي وجه يكون لى غلام، ولست بذات زوج، ولا يتصور منى الفجور ؟.
(قال كذلك قال ربك هو على هين) أي قال الملك مجيبا لها عما سألت : إن اللّه قد قال : إنه سيوجد منك غلام وإن لم تكونى ذات بعل، ولا تقترفين فاحشة، فإنه تعالى على ما يشاء قدير، ولا يمتنع عليه فعل ما يريده، ولا يحتاج فى إنشائه إلى الموادّ والآلات.