ج ١٩، ص : ٦١
على إبطال ما أدعيه من المعجزات فألقوا ما معهم من الحبال والعصى وقد كانت مطليّة بالزئبق، والعصىّ مجوّفة مملوءة به، وقالوا بقوة فرعون وجبروته : إنا لنحن الغالبون، فلما حميت حرارة الشمس اشتدت حركتها وصارت كأنها حيات تدبّ من كل جانب، وسحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم.
وجاء فى سورة طه :« فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى ».
وقد استفرغوا الوسع وقاموا بما ظنوا أن فيه الكفاية بل ما فوقها وأن النصر قد كتب لهم.
(فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ) أي وحين ألقى موسى عصاه ابتلعت ما كانوا يقلبون صورته وحاله الأولى بتمويههم وتخييل الحبال والعصى أنها حيات تسعى.
وجاء فى آية أخرى :« فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ».
وقد قامت الحجة لموسى عليهم واستبان لهم أن هذا ليس من متناول أيديهم كما أشار إلى ذلك سبحانه بقوله :
(فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ) أي فخروا سجد اللّه، لأنهم قد علموا أن هذا الذي فعلوه هو منتهى التخييل السحرى، فلما ابتلعت الحية ما زّوروه أيقنوا أن هذا من قدرة فوق ما عرفوا، وما هو إلا من قوة آتية من السماء لتأييد موسى، حينئذ خروا سجدا للّه القوى القاهر فوق عباده.
وفى التعبير بالإلقاء إشارة إلى أنهم لم يتمالكوا أنفسهم من الدهش حتى كأنهم أخذوا فطرحوا.
ثم فاهوا بما يجيش فى صدورهم، وتنطوى عليه جوانحهم.
(قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ. رَبِّ مُوسى وَهارُونَ) أي قالوا : آمنا برب العالمين الذي دعا إليه موسى أول ما تكلم مع فرعون.