ج ٢١، ص : ٨٢
روى البخاري عن ابن مسعود قال : لما نزل قوله تعالى :« الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ » شق ذلك على أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وقالوا : أيّنا لم يلبس إيمانه بظلم ؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : إنه ليس بذلك. ألا تسمعون لقول لقمان :« يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ».
وبعد أن ذكر سبحانه ما أوصى به لقمان ابنه من شكر المنعم الأول الذي لم يشركه فى إيجاده أحد، وذكر ما فى الشرك من الشناعة أتبعه بوصيته الولد بالوالدين لكونهما السبب فى وجوده، فقال :
(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ) أي وأمرناه ببرهما وطاعتهما، والقيام بحقوقهما، وكثيرا ما يقرن القرآن بين طاعة اللّه وبر الوالدين كقوله :« وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً ».
ثم ذكر منّة الوالدة خاصة لما فيها من كبير المشقة، فقال :
(حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ) أي حملته وهى فى ضعف يتزايد بازدياد ثقل الحمل إلى حين الطلق، ثم مدة النفاس.
ثم أردفها ذكر منه أخرى، وهى الشفقة عليه وحسن كفالته حين لا يملك لنفسه شيئا، فقال :
(وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ) أي وفطامه من الرضاع بعد وضعه فى عامين تقاسى فيهما الأم فى رضاعه وشئونه فى تلك الحقبة جمّ المصاعب والآلام التي لا يقدر قدرها إلا العليم بها، ومن لا تخفى عليه خافية فى الأرض ولا فى السماء.
وقد وصى بالوالدين لكنه ذكر السبب فى جانب الأم فحسب، لأن المشقة التي تلحقها أعظم، فقد حملته فى بطنها ثقيلا، ثم وضعته وربته ليلا ونهارا، ومن ثم
قال صلى اللّه عليه وسلم لمن سأله من أبرّ ؟ : أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم قال بعد ذلك : ثم أباك.