ج ٢١، ص : ٨٣
ثم فسر هذه الوصية بقوله :
(أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ) أي وعهدنا إليه أن اشكر لى على نعمى عليك، ولوالديك، لأنهما كانا السبب فى وجودك، وإحسان تربيتك، وملاقاتهما ما لا قيا من المشقة حتى استحكمت قواك.
ثم علل الأمر بشكره محذّرا إياه بقوله :
(إِلَيَّ الْمَصِيرُ) أي إلىّ الرجوع، لا إلى غيرى، فأجازيك على ما صدر منك مما يخالف أمرى، وسائلك عما كان من شكرك لى على نعمى عليك، وعلى ما كان من شكرك لوالديك وبرّك بهما.
وبعد أن ذكر سبحانه وصيته بالوالدين وأكد حقهما، ووجوب طاعتهما استثنى من ذلك حقوقه تعالى، فإنه لا يجب طاعتهما فيما يغضبه، فقال :
(وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما) أي وإن ألحف عليك والداك فى الطلب، وشدّ النكير عليك، بأن تشرك بي فى عبادتى غيرى مما لا تعلم أنه شريك لى، فلا تطعهما فيما أمراك به، وإن أدى الأمر إلى السيف فجاهدهما به.
روى أن هذه الآية نزلت فى سعد بن أبى وقاص قال :« لما أسلمت حلفت أمي لا تأكل طعاما ولا تشرب شرابا، فناشدتها أول يوم فأبت وصبرت، فلما كان اليوم الثاني ناشدتها فأبت، فلما كان اليوم الثالث ناشدتها فأبت، فقلت : واللّه لو كانت لك مائة نفس لخرجت قبل أن أودع دينى هذا، فلما رأت ذلك وعرفت أنى لست فاعلا أكلت ».
(وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً) أي وصاحبهما فى أمور الدنيا صحبة يرتضيها الدين، ويقتضيها الكرم والمروءة، بإطعامهما وكسوتهما، وعدم جفائهما وعيادتهما إذا مرضا، ومواراتهما فى القبر إذا ماتا.


الصفحة التالية
Icon