ج ٢٤، ص : ١٣١
وبعد أن ذكر محاسن الأعمال التي بين العبد وربه - ذكر محاسن الأعمال التي بين العباد بعضهم مع بعض ترغيبا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم في الصبر على أذى المشركين ومقابلة إساءتهم بالإحسان فقال :
(وَ لا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ) أي ولا تتساوى الحسنة التي يرضى اللّه بها ويثيب عليها، والسيئة التي يكرهها ويعاقب عليها.
وقد يكون المعنى - ولا تستوى دعوة الرسول إلى الدين الحق بالطرق المثلى، والصبر على سفاهة الكفار، وترك الانتقام منهم - وما أظهروه من الغلظة والفظاظة فى قولهم :« قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ » وقولهم :« لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ ».
والخلاصة - إن فعلك أيها الرسول حسنة، وإن فعلهم سيئة، فإذا أتيت بهذه الحسنة استحققت التعظيم في الدنيا، والمثوبة في الآخرة، وهم بضد ذلك، فلا ينبغى أن يكون إقدامهم على السيئة مانعا من الاشتغال بالحسنة.
ثم ذكر بعض الحسنات ووضحها بذكر بعض ضروبها فقال :
(ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) أي ادفع سفاهتهم وجهالتهم بالطريق التي هى أحسن الطرق، فقابل إساءتهم بالإحسان إليهم، والذنب بالعفو، والغضب بالصبر والإغضاء عن الهفوات، واحتمال المكاره، فإنك إن صبرت على سوء أخلاقهم مرة بعد أخرى ولم تقابل سفههم بالغضب، ولا أذاهم بمثله، استحيوا من ذميم أخلاقهم، وتركوا قبيح أفعالهم.
ثم بين نتائج الدفع بالحسنى فقال :
(فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) أي إنك إن فعلت ذلك انقلبوا من العداوة إلى المحبة، ومن البغض إلى المودة، قال عمر : ما عاقبت من عصى اللّه فيك بمثل أن تطيع اللّه فيه، وقال ابن عباس : أمره اللّه تعالى في هذه الآية بالصبر