ج ٢٦، ص : ١٢٠
الحد الذي يبلغه بصوته، يغضون أصواتهم : أي يخفضونها ويلينونها، امتحن اللّه قلوبهم :
أي طهّرها ونقاها كما يمتحن الصائغ الذهب بالإذابة والتنقية من كل غشّ.
المعنى الجملي
ذكرت سورة الفتح بعد سورة القتال لأن الأولى كالمقدمة والثانية كالنتيجة وذكرت هذه بعد الفتح، لأن الأمة إذا جاهدت ثم فتح اللّه عليها والنبي صلّى اللّه عليه وسلّم بينها، واستتبّ الأمر، وجب أن توضع القواعد التي تكون بين النبي صلى اللّه عليه وسلّم وأصحابه، وكيف يعاملونه ؟ وكيف يعامل بعضهم بعضا ؟ فطلب إليهم ألا يقطعوا أمرا دون أن يحكم اللّه ورسوله به ولا أن يرفعوا أصواتهم فوق صوت النبي صلى اللّه عليه وسلم ولا أن يجهروا له بالقول كما يجهر بعضهم لبعض، لما فى ذلك من الاستخفاف الذي قد يؤدى إلى الكفر المحبط للأعمال.
الإيضاح
أدب اللّه المؤمنين إذا قابلوا الرسول بأدبين : أحدهما فعل، وثانيهما قول، وأشار إلى أولهما بقوله :
(١) (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) أي يا أيها المؤمنون لا تعجلوا بالقضاء فى أمر قبل أن يقضى اللّه ورسوله لكم فيه، إذ ربما تقضون بغير قضائهما، وراقبوا اللّه أن تقولوا ما لم يأذن لكم اللّه ورسوله به، إن اللّه سميع لما تقولون، عليم بما تريدون بقولكم إذا قلتم، لا يخفى عليه شىء من ضمائر صدوركم.
وبنحو هذا
أجاب معاذ بن جبل رضى اللّه عنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين بعثه إلى اليمن قال له « بم تحكم ؟ قال بكتاب اللّه تعالى، قال صلّى اللّه عليه وسلّم فإن لم تجد، قال بسنة رسوله، قال صلّى اللّه عليه وسلّم فإن لم تجد، قال أجتهد رأيى،


الصفحة التالية
Icon